{ الله لا إله إلا هو } إنما فتح الميم في المشهور وكان حقها أن يوقف عليها لإلقاء حركة الهمزة عليها ليدل على أنها في حكم الثابت ، لأنها أسقطت للتخفيف لا للدرج ، فإن الميم في حكم الوقف كقولهم واحد اثنان بإلقاء حركة الهمزة على الدال لا لالتقاء الساكنين ، فإنه غير محذور في باب الوقف ، ولذلك لم تحرك الميم في لام . وقرئ بكسرها على توهم التحريك لالتقاء الساكنين . وقرأ أبو بكر بسكونها والابتداء بما بعدها على الأصل . { الحي القيوم } روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور في البقرة الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، وفي آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، وفي طه وعنت الوجوه للحي القيوم " .
قد تقدم ذكر اختلاف العلماء في الحروف التي في أوائل السور في أول سورة البقرة ، ومن حيث جاء في هذه السورة { الله لا أله إلا هو الحي القيوم } جملة قائمة بنفسها فتتصور تلك الأقوال كلها في { الم } في هذه السورة ، وذهب الجرجاني في النظم إلى أن أحسن الأقوال هنا أن يكون { الم } إشارة إلى حروف المعجم كأنه يقول : هذه الحروف كتابك أو نحو هذا .
ويدل قوله { الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب } على ما ترك ذكره مما هو خبر عن الحروف قال : وذلك في نظمه مثل قوله تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } [ الزمر : 21 ] وترك الجواب لدلالة قوله : { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله }{[2896]} تقديره : كمن قسا قلبه . ومنه قول الشاعر{[2897]} : [ الطويل ]
فَلاَ تَدْفِنُوني إنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ . . . عَلَيْكُمْ ، ولكنْ خامري أمَّ عامِرِ
قال : تقديره ولكن اتركوني للتي يقال لها خامري أم عامر .
قال القاضي رحمه الله : يحسن في هذا القول أن يكون { نزل } خبر قوله { الله } حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى . وهذا الذي ذكره القاضي الجرجاني فيه نظر لأن مثله ليست صحيحة الشبه بالمعنى الذي نحا إليه وما قاله في الآية محتمل ولكن الأبرع في نظم الآية أن يكون { الم } لا يضم ما بعدها إلى نفسها في المعنى وأن يكون { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } كلاماً مبتدأ جزماً جملة رادة على نصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله عليه السلام فحاجوه في عيسى ابن مريم وقالوا : إنه الله وذلك أن ابن إسحاق والربيع وغيرهما{[2898]} ممن ذكر السير رووا{[2899]} أن وفد نجران قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى ستون راكباً فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلاً في الأربعة عشر{[2900]} ثلاثة نفر إليه يرجع أمرهم ، والعاقب أمير القوم وذو رأيهم واسمه عبد المسيح ، والسيد ثمالهم{[2901]} وصاحب مجتمعهم واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أسد بني بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد إثر صلاة العصر عليهم الحبرات{[2902]} جبب وأردية فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأينا وفداً مثلهم جمالاً وجلالة ، وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله عليه السلام إلى المشرق فقال النبي عليه السلام : دعوهم ثم أقاموا بالمدينة أياماً يناظرون رسول الله عليه السلام في عيسى ويزعمون أنه الله إلى غير ذلك من أقوال بشعة مضطربة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون ، ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال{[2903]} وسيأتي تفسير ذلك .
وقرأ السبعة «المَ الله » بفتح الميم والألف ساقطة ، وروي عن عاصم أنه سكن الميم ثم قطع الألف ، روى الأولى التي هي كالجماعة حفص وروى الثانية أبو بكر ، وذكرها الفراء عن عاصم ، وقرأ أبو جعفر الرؤاسي{[2904]} وأبو حيوة-الم- بكسر الميم للالتقاء{[2905]} وذلك رديء لأن الياء تمنع ذلك والصواب الفتح قراءة جمهور الناس . قال أبو علي : حروف التهجي مبنية على الوقف فالميم ساكنة واللام ساكنة فحركت الميم بالفتح كما حركت النون في قولك : «من الله ومنَ المسلمين » إلى غير ذلك .
قال أبو محمد : ومن قال بأن حركة الهمزة ألقيت على الميم فذلك ضعيف لإجماعهم على أن الألف الموصولة في التعريف تسقط في الوصل فيما يسقط فلا تلقى حركته ، قاله أبو علي{[2906]} ، وقد تقدم تفسير قوله : { الحي القيوم } في آية الكرسي ، والآية هنالك إخبار لجميع الناس ، وكررت هنا إخباراً بحجج{[2907]} هؤلاء النصارى ، وللرد عليهم أن هذه الصفات لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى عليه السلام لأنهم إذ يقولون إنه صلب فذلك موت في معتقدهم لا محالة إذ من البين أنه ليس بقيوم ، وقرأ جمهور القراء «القيوم » وزنه فيعول ، وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعلقمة بن قيس «القيام » وزنه - فيعال - وروي عن علقمة أيضاً أنه قرأ «القيم » وزنه فيعل ، وهذا كله من قام بالأمر يقوم به إذا اضطلع بحفظه وبجميع ما يحتاج إليه في وجوده ، فالله تعالى القيام على كل شيء بما ينبغي له أو فيه أو عليه .
ابتُدِىء الكلام بمسند إليه خَبرُه فِعْلِيُّ : لإفادة تقوية الخبر اهتماماً به .
وجيء بالاسم العلَم : لتربية المهابة عند سماعه ، ثم أردف بجملة { لا إله إلاّ هو } ، جملةً معترضة أو حاليةً ، ردّاً على المشركين ، وعلى النصارى خاصة . وأتبع بالوصفين { الحيّ القيوم } لنفي اللبس عن مسمَّى هذا الاسم ، والإيماء إلى وجه انفراده بالإلاهية ، وأنّ غيره لا يستأهلها ؛ لأنّه غير حيّ أوْ غير قَيُّوم ، فالأصنام لا حياة لها ، وعيسى في اعتقاد النصارى قد أميت ، فما هو الآن بقيوُّم ولا هو في حال حياته بقيّوم على تدبير العالم ، وكيف وقد أوذِيَ في الله ، وكُذّب ، واختفّى من أعدائه . وقد مضى القول في معنى { الحيّ القيّوم } في تفسير آية الكرسي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.