الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، الحي: الذي لا يموت. {القيوم}: القائم على كل نفس بما كسبت.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{لا إلَهَ إلاّ هُوَ}: خبر من الله جلّ وعزّ أخبر عباده أن الألوهية خاصة به دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وأن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا له لانفراده بالربوبية، وتوحده بالألوهية، وأن كل ما دونه فملكه، وأن كل ما سواه فخلقه، لا شريك له في سلطانه وملكه، احتجاجا منه تعالى ذكره عليهم بأن ذلك إذ كان كذلك، فغير جائزة لهم عبادة غيره، ولا إشراك أحد معه في سلطانه، إذ كان كل معبود سواه فملكه، وكل معظم غيره فخلقه، وعلى المملوك إفراد الطاعة لمالكه، وصرف خدمته إلى مولاه ورازقه. ومعرفا من كان من خلقه يوم أنزل ذلك إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، بتنزيله ذلك إليه، وإرساله به إليهم على لسانه صلوات الله عليه وسلامه، مقيما على عبادة وثن أو صنم أو شمس أو قمر أو إنسي أو ملك أو غير ذلك من الأشياء التي كانت بنو آدم مقيمة على عبادته وإلاهته، ومتخذته دون مالكه وخالقه إلها وربا، أنه مقيم على ضلالة، ومنعزل عن المحجة، وراكب غير السبيل المستقيمة بصرفه العبادة إلى غيره ولا أحد له الألوهية غيره.

وقد ذكر أن هذه السورة ابتدأ الله بتنزيله فاتحتها بالذي ابتدأ به من نفي الألوهية أن يكون لغيره ووصفُه نفسه بالذي وصفها به ابتدائها احتجاجا منه بذلك على طائفة من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، فحاجّوه في عيسى صلوات الله عليه، وألحدوا في الله، فأنزل الله عز وجل في أمرهم وأمر عيسى من هذه السورة نيفا وثلاثين آية من أولها، احتجاجا عليهم وعلى من كان على مثل مقالتهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلا المقام على ضلالتهم وكفرهم، فدعاهم إلى المباهلة، فأبوا ذلك وسألوا قبول الجزية منهم، فقبلها صلى الله عليه وسلم منهم، وانصرفوا إلى بلادهم. غير أن الأمر وإن كان كذلك وإياهم قصد بالحِجاج، فإن من كان معناه من سائر الخلق معناهم في الكفر بالله، واتخاذ ما سوى الله ربا وإلها ومعبودا، معمومون بالحجة التي حجّ الله تبارك وتعالى بها من نزلت هذه الآيات فيه، ومحجوجون في الفرقان الذي فرق به لرسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم.

{الحَيّ}: اختلف أهل التأويل في معنى قوله: {الحَيّ}؛ فقال بعضهم: معنى ذلك من الله تعالى ذكره: أنه وصف نفسه بالبقاء، ونفى الموت الذي يجوز على من سواه من خلقه عنها. وقال آخرون: معنى {الحَيّ} الذي عناه الله عز وجلّ في هذه الآية ووصف به نفسه، أنه المتيسر له تدبير كل ما أراد وشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، وأنه ليس كمن لا تدبير له من الآلهة والأنداد.

وقال آخرون: معنى ذلك: أن له الحياة الدائمة التي لم تزل له صفة، ولا تزال كذلك. وقالوا: إنما وصف نفسه بالحياة لأن له حياة، كما وصفها بالعلم لأن لها علما، وبالقدرة لأن لها قدرة.

ومعنى ذلك عندي: أنه وصف نفسه بالحياة الدائمة التي لا فناء لها ولا انقطاع، ونفى عنها ما هو حال بكل ذي حياة من خلقه، من الفناء، وانقطاع الحياة عند مجيء أجله، فأخبر عباده أنه المستوجب على خلقه العبادة والألوهة، والحيّ الذي لا يموت، ولا يبيد كما يموت كل من اتخذ من دونه ربا، ويبيد كلّ من ادّعى من دونه إلها، واحتجّ على خلقه بأن من كان يبيد فيزول ويموت فيفنى، فلا يكون إلها يستوجب أن يعبد دون الإله الذي لا يبيد ولا يموت، وأن الإله: هو الدائم الذي لا يموت ولا يبيد ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو.

{القَيّوم}: القيم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص... القائم على كل شيء، يكلؤه ويحفظه ويرزقه.

وقال آخرون: معنى ذلك القيام على مكانه، ووجهوه إلى القيام الدائم الذي لا زوال معه ولا انتقال، وأن الله عز وجل إنما نفى عن نفسه بوصفها بذلك التغير والتنقل من مكان إلى مكان وحدوث التبدل الذي يحدث في الآدميين وسائر خلقه غيرهم.

وأولى التأويلين بالصواب، أن ذلك وصف من الله تعالى ذكره نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء في رزقه والدفع عنه، وكلاءته وتدبيره وصرفه في قدرته، من قول العرب: فلان قائم بأمر هذه البلدة، يُعنى بذلك: المتولي تدبير أمرها. فالقيّوم إذ كان ذلك معناه «الفَيعول» من قول القائل: الله يقوم بأمر خلقه...وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظ لأنه قصد به قصد المبالغة في المدح، فكان القيّوم والقيّام والقيّم أبلغ في المدح من القائم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى: {الحي القيوم} هو الحي بذاته، وكل حي سواه حي بحياة هي حياة غيره. فإذا كان هو حيا بذاته لم يوصف بالتغاير والزوال، ولما كان كل حي سواه حيا بغيره احتمل التغاير والزوال، وكانت الحياة عبارة يوصف بها من عظم شأنه، وشرف أمره عند الخلق. ألا ترى أن الله تعالى وصف الأرض بالحياة عند إنباتها لما يعظم قدرها، وتشرف منزلتها عند الخلق عند النبات، وكذلك المؤمن حي لعلو قدره عند الناس، والكافر ميت لدون منزلته عند الناس، فكذلك سبحانه سمى نفسه حيا لعظمته وجلاله وكبريائه. وعلى هذا يخرج قوله في الشهداء حيث قال: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء} [البقرة: 154] أي مكرمون معظمون مشرفون عند ربهم. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن اسم الله الأعظم {الحي القيوم}...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن مطلع هذه السورة له نظم لطيف عجيب، وذلك لأن أولئك النصارى الذين نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل لهم: إما أن تنازعوه في معرفة الإله، أو في النبوة، فإن كان النزاع في معرفة الإله وهو أنكم تثبتون له ولدا وأن محمدا لا يثبت له ولدا فالحق معه بالدلائل العقلية القطعية، فإنه قد ثبت بالبرهان أنه حي قيوم، والحي القيوم يستحيل عقلا أن يكون له ولد وإن كان النزاع في النبوة، فهذا أيضا باطل، لأن بالطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى فهو بعينه قائم في محمد صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا بالمعجزة وهو حاصل ههنا، فكيف يمكن منازعته في صحة النبوة، فهذا هو وجه النظم وهو مضبوط حسن جدا..

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

افتتحها تبارك وتعالى بالإخبار بألوهيته، وأنه الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله والتعبد إلا لوجهه، فكل معبود سواه فهو باطل، والله هو الإله الحق المتصف بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية، فالحي من له الحياة العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا بها كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا يرام. {القيوم} الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد، فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هكذا تبدأ السورة في مواجهة أهل الكتاب المنكرين لرسالة النبي [ص] وهم بحكم معرفتهم بالنبوات والرسالات والكتب المنزلة والوحي من الله، كانوا أولى الناس بأن يكونوا أول المصدقين المسلمين، لو أن الأمر أمر اقتناع بحجة ودليل. هكذا تبدأ السورة في مواجهتهم بهذا الشوط القاطع الفاصل في أكبر الشبهات التي تحيك في صدورهم، أو التي يتعمدون نثرها في صدور المسلمين تعمدا. والكاشف لمداخل هذه الشبهات في القلوب ومساربها، والمحدد لموقف المؤمنين الحقيقيين من آيات الله وموقف أهل الزيغ والانحراف، والمصور لحال المؤمنين من ربهم والتجائهم إليه، وتضرعهم له، ومعرفتهم بصفاته تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم).. وهذا التوحيد الخالص الناصع هو مفرق الطريق بين عقيدة المسلم وسائر العقائد، سواء منها عقائد الملحدين والمشركين، وعقائد أهل الكتاب المنحرفين؛ يهودا أو نصارى، على اختلاف مللهم ونحلهم جميعا. كما أنه هو مفرق الطريق بين حياة المسلم وحياة سائر أهل العقائد في الأرض؛ فالعقيدة هنا تحدد منهج الحياة ونظامها تحديدا كاملا دقيقا. (الله لا إله إلا هو).. فلا شريك له في الألوهية.. (الحي).. الذي يتصف بحقيقة الحياة الذاتية المطلقة من كل قيد فلا شبيه له في صفته.. (القيوم).. الذي به تقوم كل حياة وبه يقوم كل وجود، والذي يقوم كذلك على كل حياة وعلى كل وجود، فلا قيام لحياة في هذا الكون ولا وجود إلا به سبحانه. وهذا مفرق الطريق في التصور والاعتقاد، ومفرق الطريق في الحياة والسلوك. مفرق الطريق في التصور والاعتقاد، بين تفرد الله -سبحانه- بصفة الألوهية، وذلك الركام من التصورات الجاهلية؛ سواء في ذلك تصورات المشركين -وقتها في الجزيرة- وتصورات اليهود والنصارى -وبخاصة تصورات النصارى. ولقد حكى القرآن عن اليهود أنهم كانوا يقولون: عزير ابن الله. كما أن الانحراف الذي سجله ما يعتبره اليهود اليوم "الكتاب المقدس "يتضمن شيئا كهذا. كما جاء في سفر التكوين، الإصحاح السادس. فأما انحرافات التصورات المسيحية، فقد حكى القرآن منها قولهم: إن الله ثالث ثلاثة، وقولهم: إن الله هو المسيح بن مريم. واتخاذهم المسيح وأمه إلهين من دون الله. واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...

.!

فأمام هذا الركام من التصورات الفاسدة والمنحرفة التي أشرنا إليها هذه الإشارات الخاطفة جاء الإسلام في هذه السورة- ليعلنها ناصعة واضحة صريحة حاسمة: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم). فكانت مفرق الطريق في التصور والاعتقاد.. كذلك كانت مفرق الطريق في الحياة والسلوك.. إن الذي يمتلئ شعوره بوجود الله الواحد الذي لا إله إلا هو. الحي الواحد الذي لا حي غيره. القيوم الواحد الذي به تقوم كل حياة أخرى وكل وجود، كما أنه هو الذي يقوم على كل حي وكل موجود.. إن الذي يمتلئ شعوره بوجود الله الواحد الذي هذه صفته، لا بد أن يختلف منهج حياته ونظامها من الأساس عن الذي تغيم في حسه تلك التصورات التائهة المهوشة. فلا يجد في ضميره أثرا لحقيقة الألوهية الفاعلة المتصرفة في حياته! إنه مع التوحيد الواضح الخالص لا مكان لعبودية إلا لله. ولا مكان للاستمداد والتلقي إلا من الله. لا في شريعة أو نظام، ولا في أدب أو خلق. ولا في اقتصاد أو اجتماع. ولا مكان كذلك للتوجه لغير الله في شأن من شؤون الحياة، وما بعد الحياة.. أما في تلك التصورات الزائغة المنحرفة المهزوزة الغامضة فلا متجه ولا قرار، ولا حدود لحرام أو حلال، ولا لخطأ أو صواب: في شرع أو نظام، في أدب أو خلق، وفي معاملة أو سلوك.. فكلها.. كلها.. إنما تتحدد وتتضح عندما تتحدد الجهة التي منها التلقي، وإليها التوجه، ولها الطاعة والعبودية والاستسلام. ومن ثم كانت هذه المواجهة بذلك الحسم في مفرق الطريق: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم).. ومن ثم كان التميز والتفرد لطبيعة الحياة الإسلامية -لا لطبيعة الاعتقاد وحده- فالحياة الإسلامية بكل مقوماتها إنما تنبثق انبثاقا من حقيقة هذا التصور الإسلامي عن التوحيد الخالص الجازم. التوحيد الذي لا يستقيم عقيدة في الضمير ما لم تتبعه آثاره العملية في الحياة. من تلقي الشريعة والتوحيد من الله في كل شأن من شؤون الحياة. والتوجه كذلك إلى الله في كل نشاط وكل اتجاه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ابتدئ الكلام بمسند إليه خَبرُه فِعْلِيّ، لإفادة تقوية الخبر اهتماماً به.

وجيء بالاسم العلَم، لتربية المهابة عند سماعه، ثم أردف بجملة {لا إله إلاّ هو}، جملةً معترضة أو حاليةً، ردّاً على المشركين، وعلى النصارى خاصة، وأتبع بالوصفين {الحيّ القيوم} لنفي اللبس عن مسمَّى هذا الاسم، والإيماء إلى وجه انفراده بالإلاهية، وأنّ غيره لا يستأهلها؛ لأنّه غير حيّ أوْ غير قَيُّوم؛ فالأصنام لا حياة لها، وعيسى في اعتقاد النصارى قد أميت، فما هو الآن بقيوُّم ولا هو في حال حياته بقيّوم على تدبير العالم، وكيف وقد أوذِيَ في الله، وكُذّب، واختفى من أعدائه.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{الله لا إله إلا هو الحث القيوم}، هذه الجملة السامية تبين أصل التوحيد، و تقرر معناه، فابتدأت بلفظ الجلالة الذي يدل على كمال الألوهية، و انفراده – سبحانه – بحق العبودية، إذ إنه الإله وحده الذي أنشأ الخلق و رباه و نماه، و لا مالك لهذا الوجود و من فيه و ما فيه سواه. و لفظ "الله "علم على الذات العلية المتصف بكل كمال و النزهة عن كل نقص، و التي لا تشابه الحوادث، و لا يشبهها شيء من الحوادث: {ليس كمثله شيء و هو السميع البصير 11} (الشورى). ثم صرح سبحانه و تعالى بما يتضمنه لفظ الجلالة، وهو الانفراد بالألوهية، وحق العبودية، فقال سبحانه: {لا إله إلا هو} أي لا معبود بحق إلا هو، أو لا إله في الحقيقة والواقع إلا هو، وكل ما يدعى له الألوهية من شخص أو وثن فهو ليس إلا أسماء سماهم بها المشركون الضالون، وليس من حقيقة الألوهية في شيء {إن هي إلا أسناء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان... 23} (النجم). ثم بين سبحانه الوصاف التي تبين استحقاقه وحده لحق العبودية، فقال سبحانه: {الحي القيوم} أي الدائم الحياة الذي لا ينفى، و ينفي ما سواه، و لا يستمد حي حياته إلا بإرادته سبحانه، و هو القائم بنفسه، و القائم على كل شيء، و المدبر لكل شيء، فهذا معنى القيوم...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} تلك هي قضية القمة، ولذلك يتكرر في القرآن التأكيد على هذه القضية، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}. و {اللَّهُ} كما يقولون مبتدأ، و {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} خبر، والمبتدأ لابد أن يكون متضحاً في الذهن، فكأن كلمة {اللَّهُ} متضحة في الذهن، ولكنه يريد أن يعطي لفظ {اللَّهُ} الوصف الذي يليق به وهو {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}، ولذلك يقول الحق: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]. إذن فالله متضح في أذهانهم، ولكن السلطات الزمنية أرادت أن تطمس هذا الإيضاح، فجاء القرآن ليزيل ويمحو هذا الطمس مؤكدا {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فهذه قضية أطلقها الحق شهادة منه لنفسه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18]...

وكفى بالله شهيداً، لأنها شهادة الذات للذات، وشهدت الملائكة شهادة المشهد فلم يروا أحداً آخر إلا هو، وكذلك، شهد أولو العلم الذين يأخذون من الأدلة في الكون ما يثبت صدق الملائكة ويؤكد صدق الله، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نقول: إن الحق أطلقها على نفسه وقال: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}، وجعلها كلمة التوحيد وجعل الأمر في غاية اليسر والسهولة والبساطة، فلم يشأ الله أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً معقداً، أو دليلاً فلسفياً، أو لا يستطيع أحد أن يصل إليه إلا أهل الثقافة العالية؟ لا، إن الدين مطلب للجميع؛ من راعي الشاة إلى الفيلسوف، إنه مطلوب للذي يكنس في الشارع، كما هو مطلوب من الأستاذ الجامعي...

فيجب أن تكون قضية الإيمان في مستوى هذه العقول جميعاً...