روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

الاسم الجليل مبتدأ وما بعده خبره ، والجملة مستأنفة أي هو المستحق للعبودية لا غير ، و { الحي القيوم } خبر بعد خبر له أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو الحي القيوم لا غير ، وقيل : هو صفة للمبتدأ أو بدل منه أو من الخبر الأول أو هو الخبر وما قبله اعتراض بين المبتدأ والخبر مقرر لما يفيده الاسم الكريم ، أو حال منه على رأي من يرى صحة ذلك أيّاً مّا كان فهو كالدليل/ على اختصاص استحقاق المعبودية به سبحانه ، وقد أخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أبي أمامة مرفوعاً أن اسم الله الأعظم في ثلاث سور سورة البقرة وآل عمران وطه ، وقال أبو أمامة : فالتمستها فوجدت في البقرة ( 255 ) { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } وفي آل عمران { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } وفي طه ( 111 ) { وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيّ القيوم }

وقرأ عمر وابن مسعود وأبيّ وعلقمة : الحي القيام ، وهذا رد على النصارى الزاعمين أن عيسى عليه السلام كان رباً ، فقد أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : «قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران وكانوا ستين راكباً فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والأيهم السيد ، وهو من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون : هو الله تعالى ، ويقولون : هو ولد الله تعالى ، ويقولون : هو ثالث ثلاثة كذلك قول النصرانية ، وهم يحتجون لقولهم يقولون : هو الله تعالى فإنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً ، ويحتجون في قولهم إنه ولد الله تعالى : بأنه لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد وصنع ما لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله ، ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلاثة : إن الله تعالى يقول فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فلو كان واحداً ما قال إلا فعلت وأمرت وخلقت وقضيت ولكنه هو وعيسى ومريم ، ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن وذكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فيه قولهم فلما كلمه الحبران وهما العاقب والسيد ، كما في رواية الكلبي ، والربيع عن أنس قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلما قالا : قد أسلمنا قبلك قال : كذبتما منكما من الإسلام دعاؤكما لله تعالى ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير ؟ قالا : فمن أبوه يا محمد ؟ وصمت فلم يجب شيئاً ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله ، صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ، فافتتح السورة بتنزيه نفسه مما قالوا وتوحيده إياها بالخلق والأمر لا شريك له فيه ، ورد عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه من الأنداد ، واحتج عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالتهم فقال : { الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } أي ليس معك غيره شريك في أمره الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى عليه السلام في قولهم : ( القيوم ) القائم على سلطانه لا يزول وقد زال عيسى ، وفي رواية ابن جرير عن الربيع قال : «إن النصارى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له : من أبوه ؟ وقالوا على الله تعالى الكذب والبهتان فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه ؟ قالوا : بلى قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً ؟ قالوا : لا قال : ألستم تعلمون أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى قال : فهل يعلم عيسى من ذلك شيئاً إلا ما علم ؟ قالوا : لا . قال : ألستم تعلمون أن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء وأن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي ثم كان يأكل الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث ؟ قالوا : بلى قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً فأنزل { الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } .

( ومن باب الإشارة ) : { الله لا إله إلا هو } إذ لا موجود في سائر العوالم حقيقة إلا هو إذ لا أحد أغير من الله تعالى جل جلاله { الحي } أي المتصف بالحياة الكاملة على وجه يليق بذاته { القيوم } [ آل عمران : 2 ] بتدبير الأعيان الثابتة بظهوره فيها حسب استعدادها الأزلي الغير المجعول .