الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

بسم الله الرحمن الرحيم قولُه جَلَّتْ قدرته : { الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم }[ آل عمران :1و2 ] .

الأبْرَعُ في نَظْمِ الآيةِ أن يكون : { الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } كلاماً مبتدأً جزماً ، جملةً رادةً على نصارَى نَجْرَانَ ، الذين وفَدُوا علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَحَاجُّوهُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وقالوا : إِنَّهُ اللَّهُ على مَا هُوَ معلومٌ في السِّيَرِ ، فنزل فيهم صَدْر هذه السورةِ إِلى نيِّفٍ وثمانينَ آيةً منْها ، إلى أنْ دعَاهُمْ صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال .

وقد تقدَّم تفسيرُ قوله : { الحي القيوم } في آية الكرسيِّ ، والآيةُ هناك إِخبارٌ لجميعِ الناسِ ، وكُرِّرتْ هنا إخباراً يحجّ هؤلاءِ النصارى ، ويردُّ عليهم ، إِذ هذه الصفاتُ لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى عليه السلام ، لأنهم إِذ يقولُون : إِنه صُلِبَ ، فذلك مَوْتٌ في معتقَدِهِمْ ، وإِذْ من البيِّن أنَّه ليس بقَيُّومٍ .

وقراءة الجمهور ( القَيُّوم ) ، وقرئ خارجَ السَّبْعِ : «القَيَّامُ » ، و«القَيِّمُ » ، وهذا كلُّه مِنْ : قَامَ بالأَمْرِ يقُومُ به ، إِذا اضطلع بحفْظِهِ ، وبجميعِ ما يحتاجُ إِلَيْهِ في وُجُودِهِ ، فاللَّه تعالى القَيَّامُ على كلِّ شيءٍ ممَّا ينبغِي له ، أوْ فِيهِ ، أوْ عليه .

( ت ) : وقد تقدَّم ما نقلْناه في هذا الاِسم الشريفِ ، أنه اسمُ اللَّهِ الأعظمُ ، قال النوويُّ : ورُوِّينَا في كتابِ التِّرمذيِّ ، ( عن أَنَسٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : أنَّهُ كَانَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ ، قَالَ : ( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ ) ، قَالَ الحاكمُ : هذا حديثٌ صحيحُ الإِسناد ، اه .

قال صاحب «سلاح المؤمن » : وعنْ عليٍّ رضي اللَّه عنه ، قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، قَاتَلْتُ شَيْئاً مِنْ قِتَالٍ ، ثمَّ جئْتُ إلى رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْظُرُ مَا صَنَعَ فَجِئْتُ ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ : ( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى القِتَالِ ، ثُمَّ جِئْتُ ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ ، لاَ يَزِيدُ على ذَلِكَ ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إلَى الْقِتَالِ ، ثُمَّ جِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ " رواه النِّسائِيُّ ، والحاكمُ في «المستدرك » ، واللفظ للنسائِيِّ .

وعن أسماء بنتِ يَزيد رضي اللَّه عنها ، أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( اسم اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ : { وإلهكم إله واحد لاَّ إله إِلاَّ هُوَ الرحمن الرحيم } ، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ : { الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } . رواه أبو داود ، واللفظ له ، والترمذيُّ ، وابن ماجة ، وقال التِّرْمِذِيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .

وعن أبي أُمَامَة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : ( اسم اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي ثَلاَثِ سُوَرٍ : فِي سُورَةِ البَقَرَةِ ، وآل عِمْرَانَ ، وَطَه ) ، قال القاسِمُ : فالتمستها أنَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ ، انتهى .