البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

والكلام على : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } تقدم في آية { وإلهكم إله واحد لا إله إلا الله } وفي أول آية الكرسي ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

وذكر ابن عطية عن القاضي الجرجاني أنه ذهب في النظم إلى أن أحسن الأقوال هنا أن يكون { الم } إشارة إلى حروف المعجم ، كأنه يقول : هذه الحروف كتابك ، أو نحو هذا .

ويدل قوله : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب } على ما ترك ذكره ، مما هو خبر عن الحروف ، قال : وذلك في نظمه مثل قوله : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } ترك الجواب لدلالة قوله { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } عليه ، تقديره : كمن قسا قلبه .

ومنه قول الشاعر :

فلا تدفنوني ، إن دفني محرم *** عليكم ، ولكن خامري أم عامر

أي : ولكن اتركوني للتي يقال لها : خامري أم عامر .

قال ابن عطية : يحسن في هذا القول أن يكون نزل خبر قوله : الله ، حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى الذي ذكره الجرجاني ، وفيه نظر ، لأن مثليته ليست صحيحة الشبه بالمعنى الذي نحا إليه ، وما قاله في الآية محتمل ، ولكن الأبرع في نظم الآية أن يكون { الم } لا يضم ما بعدها إلى نفسها في المعنى ، وأن يكون { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } كلاماً مبتدأ جزماً ، جملة رادّة على نصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحاجوه في عيسى بن مريم ، وقالوا : إنه الله .

انتهى كلامه .

قال ابن كيسان : موضع : ألم ، نصب ، والتقدير : قرأوا ألم ، و : عليكم ألم .

ويجوز أن يكون في موضع رفع بمعنى : هذا ألم ، و : ذلك ألم .

وتقدم من قول الجرجاني أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : هذه الحروف كتابك .

وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود ، وعلقمة بن قيس : القيام .

وقال خارجة في مصحف عبد الله : القيم ، وروي هذا أيضاً عن علقمة .

{ الله } رفع على الابتداء ، وخبره : { لا إله إلا هو } و { نزل عليك الكتاب } خبر بعد خبر ، ويحتمل أن يكون : نزل ، هو الخبر ، و : لا إله إلا هو ، جملة اعترض .

وتقدم في آية الكرسي استقصاء إعراب : { لا إله إلا هو الحي القيوم } فأغنى عن إعادته هنا .

وقال الرازي : مطلع هذه السورة عجيب ، لأنهم لما نازعوا كأنه قيل : إما أن تنازعوا في معرفة الله ، أو في النبوة ، فإن كان الأول فهو باطل ، لأن الأدلة العقلية دلت على أنه : حي قيوم ، والحي القيوم يستحيل أن يكون له ولد ، وإن كان في الثاني فهو باطل ، لأن الطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل ، هو بعينه قائم هنا ، وذلك هو المعجزة .

/خ11