تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (83)

قال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ }

قال محمد بن إسحاق : لما جاءوا يعقوب وأخبروه بما يجري اتهمهم ، وظن أنها كفعلتهم بيوسف { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } {[15255]} .

وقال بعض الناس : لما كان صنيعهم{[15256]} هذا مرتبا على فعلهم الأول ، سُحب{[15257]} حكم الأول عليه ، وصح قوله : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ }

ثم ترجى{[15258]} من الله أن يرد عليه أولاده الثلاثة : يوسف وأخاه بنيامين ، وروبيل الذي أقام بديار مصر ينتظر أمر الله فيه ، إما أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرجوع إليه ، وإما أن يأخذ أخاه خفية ؛ ولهذا قال : { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } أي : العليم بحالي ، { الْحَكِيمُ } في أفعاله وقضائه وقدره .


[15255]:- في ت ، أ : "فقال" وهو خطأ.
[15256]:- في ت : "صبرنا".
[15257]:- في ت : "اسحب" ، وفي أ : "استحب".
[15258]:- في ت : "يرجى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (83)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .

قال أبو جعفر : في الكلام متروك ، وهو : فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم ، وتخلّف روبيل ، فأخبروه خبره ، فلما أخبروه أنه سرق قال : بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا يقول : بل زيّنت لكم أنفكسم أمرا هممتم به وأردتموه . فصَبْرٌ جَمِيلٌ يقول : فصبري على ما نالني من فقد ولدي صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية ، عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعا فيردّهم عليّ . إنّهُ هُوَ العَلِيمُ بوحدتي وبفقدهم وحزني عليهم وصدق ما يقولون من كذبه . الحَكِيمِ في تدبيره خلقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يقول : زينت .

وقوله : عَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعا يقول : بيوسف وأخيه وروبيل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما جاءوا بذلك إلى يعقوب ، يعني بقول روبيل لهم اتهمهم ، وظنّ أن ذلك كفعلتهم بيوسف ، ثم قال : بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا فَصَبْرٌ جَميلٌ عَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِيَنِي بهِمْ جَميعا : أي بيوسف وأخيه وروبيل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (83)

جعلت جملة { قال بل سولت } في صورة الجواب عن الكلام الذي لقّنه أخوهم على طريقة الإيجاز . والتقدير : فرجعوا إلى أبيهم فقالوا ذلك الكلام الذي لَقّنه إيّاهم ( روبين ) قال أبوهم : { بل سولت . . . } الخ .

وقوله هنا كقوله لهم حين زعموا أن يوسف عليه السلام أكله الذئب ، فهو تهمة لهم بالتغرير بأخيهم . قال ابن عطية : ظنّ بهم سوءاً فصدق ظنّه في زعمم في يوسف عليه السلام ولم يتحقق ما ظنّه في أمر بنيامين ، أي أخطأ في ظنه بهم في قضية ( بنيامين ) ، ومستنده في هذا الظن علمه أن ابنه لا يسرق ، فعلم أن في دعوى السرقة مكيدة . فظنه صادق على الجملة لا على التفصيل . وأما تهمته أبناءه بأن يكونوا تمالؤوا على أخيهم بنيامين فهو ظن مستند إلى القياس على ما سبق من أمرهم في قضية يوسف عليه السلام فإنه كان قال لهم : { هل آمنكم عليه إلا كما أمِنتكم على أخيه من قبل } سورة يوسف ( 64 ) . ويجوز على النبي الخطأ في الظنّ في أمور العادات كما جاء في حديث ترك إبّار النخل .

ولعله اتّهم روبين أن يكون قد اختفى لترويج دعوى إخوته . وضمير { بهم } ليوسف عليه السلام وبنيامين وروبين . وهذا كشف منه إذ لم ييأس من حياة يوسف عليه السلام .

وجملة { إنه هو العليم الحكيم } تعليل لرجائه من الله بأن الله عليم فلا تخفى عليه مواقعهم المتفرقة . حكيم فهو قادر على إيجاد أسباب جمعهم بعد التفرق .