تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (83)

وقوله تعالى : ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ) فإن قيل : كيف قال لهم ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ) وجعل ما أخبروه من تسويل أنفسهم وتزيينها [ وهم لم يخالفوه ][ في الأصل وم : ولم يخالفوا هم ] في ما أمرهم في أمر بنيامين ، ولا تركوا شيئا مما أمرهم به ؟

وليس هذا كالأول الذي قال لهم في أمر يوسف ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا )[ الآية : 18 ] لأنه قد كان منهم خلاف لما أمرهم به ، والسعي إلى إهلاكه ، فكان ما ذكر من تسويل أنفسهم وتزيينها في موضع التسويل والتزيين . وأما ههنا فلم يأت منهم إليه خلاف ولا ترك لأمره .

فكيف قال : ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا ) ؟ قيل[ في الأصل وم : لكن ] يشبه أن يكون قال ذلك لأنهم لما اتهموا جميعا بالسرقة ، فقيل : ( إنكم لسارقون )[ الآية : 70 ] ( قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين )[ الآية : 73 ] قطعوا فيه القول : إنهم لم يكونوا سارقين ، وهو كان فيهم .

فكيف قطعتم فيه القول بالسرقة ( إن ابنك سرق ) ؟ ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا ) من البغض والعداوة والإيثار له وليوسف [ عليكم والميل إليهما دونكم حين ][ في الأصل وم : عليهم والميل إليها دونهم حيث ] ( قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة )[ الآية : 8 ] والله أعلم . فسولت لكم أنفسكم ببغضكم وعداوتكم حتى تركتم الفحص عن حاله وأمره [ إذ لا ][ في الأصل وم : إلا ] كل من وجد في رحله شيء يكون هو واضع ذلك الشيء ، بل قد يضعه[ في الأصل وم : يضع ] غيره فيه على غير علم منه .

وقوله تعالى : ( فصبر جميل ) قد ذكرناه .

وقوله تعالى : ( عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ) قال أهل التأويل : قال : ( يأتيني بهم جميعا ) لأنهم صاروا جماعة : يوسف ، وبنيامين أخوه ، ويهوذا ، وشمعون ، قد تخلفا بسبب حبس يوسف أخاه ، أو يوسف وأخوه .

وقال بعض أهل التأويل : إن جبريل أتى يعقوب على أحسن صورة ، فسأله عن يوسف : أفي الأحياء [ هو أم في الأموات ][ في الأصل : أم الأموات ، في م : أم في الأموات ] فقال : بل هو في الأحياء ، فقال عند ذلك : ( عسى /256-ب/الله أن يأتيني بهم جميعا ) أو علم يعقوب أن يوسف في الأحياء ، وأنه غير هالك ، لما رأى يوسف من الرؤيا من سجود الكواكب والشمس والقمر له علم أنه في الأحياء ، وأنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه ، وغير ذلك من الدلائل .

لكنه كان لا يعلم أين هو ، فقال ذلك : ( إنه هو العليم الحكيم ) .