فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (83)

قوله : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا } أي : زينت ، والأمر هنا قولهم : { إِنَّ ابنك سَرَقَ } وما سرق في الحقيقة ؛ وقيل : المراد بالأمر إخراجهم بنيامين ، والمضي به إلى مصر طلباً للمنفعة فعاد ذلك بالمضرّة ؛ وقيل : التسويل : التخييل ، أي : خيلت لكم أنفسكم أمراً لا أصل له ؛ وقيل : الأمر الذي سوّلت لهم أنفسهم : فتياهم بأن السارق يؤخذ بسرقته ، والإضراب هنا هو باعتبار ما أثبتوه من البراءة لأنفسهم ، لا باعتبار أصل الكلام فإنه صحيح ، والجملة مستأنفة مبنية على سؤال مقدّر كغيرها ، وجملة : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي : فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل بي ، وأولى لي ، والصبر الجميل : هو الذي لا يبوح صاحبه بالشكوى ، بل يُفوّضُ أمره إلى الله ويسترجع ، وقد ورد أن الصبر عند أوّل الصدمة { عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا } أي : بيوسف وأخيه بنيامين ، والأخ الثالث الباقي بمصر ، وهو كبيرهم كما تقدّم ، وإنما قال هكذا لأنه قد كان عنده أن يوسف لم يمت ، وأنه باقٍ على الحياة وإن غاب عنه خبره { إِنَّهُ هُوَ العليم } بحالي ، { الحكيم } فيما يقضي به .

/خ88