نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (83)

فكأنه قيل : فما قال لهم ؟ فقيل : { قال بل } أي ليس الأمر كذلك ، لم تصح نسبة ابني إلى السرقة ظاهراً ولا باطناً ، أي لم{[42501]} يأخذ شيئاً من صاحبه في خفاء بل { سولت } أي{[42502]} زينت تزييناً{[42503]} فيه غي { لكم أنفسكم أمراً } أي حدثتكم بأمر ترتب عليه ذلك ، والأمر : الشيء الذي من شأنه أن تأمر النفس به ، وكلا الأمرين صحيح ، أما النفي فواضح ، لأن بنيامين لم يسرق الصواع ولا همّ بذلك ، ولذلك لم ينسبه يوسف عليه الصلاة والسلام ولا مناديه إلى ذلك بمفرده ، وأما الإثبات فأوضح ، لأنه لولا فعلهم بيوسف عليه الصلاة والسلام لما سولت لهم فيه أنفسهم . لم يقع هذا الأمر لبنيامين عليه السلام { فصبر جميل } مني ، لأن ظني في الله جميل ، وفي قوله : { عسى الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { أن يأتيني بهم } أي بيوسف وشقيقه بنيامين وروبيل { جميعاً } ما يدل الفطن على أنه تفرس أن هذه الأفعال نشأت عن يوسف عليه الصلاة والسلام ، وأن الأمر إلى{[42504]} سلامة واجتماع ؛ ثم علل ذلك بقوله : { إنه هو } أي وحده { العليم } أي البليغ العلم بما خفي علينا{[42505]} من ذلك ، فيعلم أسبابه الموصلة إلى المقاصد { الحكيم } أي البليغ في إحكام الأمور في ترتيب الأسباب بحيث لا يقدر أحد على نقض ما أبرمه منها{[42506]} ، وترتيب الوصفين على غاية الإحكام - كما ترى - لأن{[42507]} الحال داع إلى العلم بما غاب من الأسباب أكثر من دعائه إلى{[42508]} معرفة حكمتها ؛ قال هذه المقالة


[42501]:زيد من ظ و م ومد.
[42502]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: رتبت ترتيبا.
[42503]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: رتبت ترتيبا.
[42504]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: بالى.
[42505]:من ظ، وفي بقية النسخ: عنا.
[42506]:في مد: منهما.
[42507]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: بان.
[42508]:زيد بعده في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.