تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

وقوله : { وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ } أي : في الماء يستخرجون اللآلئ [ وغير ذلك . { وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ } أي : غير ذلك ، كما قال تعالى : { وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * ] {[19745]} وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ } . [ ص : 37 ، 38 ] .

وقوله : { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } {[19746]} أي : يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء ، بل كل في قبضته وتحت قهره لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه ، بل هو مُحَكَّم{[19747]} فيهم ، إن شاء أطلق ، وإن شاء حبس منهم من يشاء ؛ ولهذا قال : { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ }


[19745]:- زيادة من ف ، أ.
[19746]:- في ف : "له".
[19747]:- في ف ، أ : "يحكم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنَ الشّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنّا لَهُمْ حَافِظِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وسخرنا أيضا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر ، ويعملون عملاً دون ذلك من البنيان والتماثيل والمحاريب . وكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ يقول : وكنا لأعمالهم ولأعدادهم حافظين ، لا يئودنا حفظ ذلك كله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

هذا ذكر معجزة وكرامة لسليمان . وهي أن سخر إليه من القُوى المجردة من طوائف الجنّ والشياطين التي تتأتّى لها معرفة الأعمال العظيمة من غوص البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان ومن أعمال أخرى أجملت في قوله تعالى : { ويعملون عملاً دون ذلك } . وفصّل بعضها في آيات أخرى كقوله تعالى : { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات } [ سبأ : 13 ] وهذه أعمال متعارفة . وإنما اختصّ سليمان بعظمتها مثل بناء هيكل بيت المقدس وبسرعة إتمامها .

ومعنى { وكنا لهم حافظين } أن الله بقدرته سخرهم لسليمان ومنعهم عن أن ينفلتوا عنه أو أن يعصوه ، وجعلهم يعملون في خفاء ولا يؤذوا أحداً من الناس ؛ فجمع الله بحكمته بين تسخيرهم لسليمان وعلمه كيف يَحكمهم ويستخدمهم ويطوعهم ، وجعلهم منقادين له وقائمين بخدمته دون عناء له ، وحال دونَهم ودونَ الناس لئلا يؤذوهم . ولما توفّي سليمان لم يسخر الله الجنّ لغيره استجابة لدعوته إذ قال : { وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } [ ص : 35 ] . ولما مكّن الله النبي محمداً صلى الله عليه وسلم من الجنيّ الذي كاد أن يفسد عليه صلاته وهَمَّ بأن يربطه ، ذَكَر دعوة سليمان فأطلقه فجمع الله له بين التمكين من الجنّ وبين تحقيق رغبة سليمان .

وقوله { لهم } يتعلق ب { حافظين } واللام لام التقوية . والتقدير : حافظينهم ، أي مانِعينهم عن الناس .