إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

{ وَمِنَ الشياطين } أي وسخرنا له من الشياطين { مَن يَغُوصُونَ لَهُ } في البحار ويستخرجون له من نفائسها ، وقيل : مَنْ رُفع على الابتداء وخبرُه ما قبله والأولُ هو الأظهرُ { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك } أي غير ما ذكر من بناء المدن والقصورِ واختراعِ الصنائعِ الغريبة لقوله تعالى : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن محاريب وتماثيل } الآية ، وهؤلاء أما الفرقةُ الأولى أو غيرها لعموم كلمة مَنْ ، كأنه قيل : ومَن يعملون وجمعُ الضمير الراجع إليها باعتبار معناها بعد ما رشح جانبُه بقوله تعالى : { وَمِنَ الشياطين } ، روي أن المسخَّر له عليه السلام كفارُهم لا مؤمنوهم لقوله تعالى : { وَمِنَ الشياطين } وقوله تعالى : { وَكُنَّا لَهُمْ حافظين } أي من أن يزيغوا عن أمره أو يُفسدوا على ما هو مقتضى جِبِلّتهم{[548]} ، قيل : وكل بهم جمعاً من الملائكة وجمعاً من مؤمني الجن ، وقال الزجاجُ : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عمِلوا وكان دأبُهم أن يفسدوا بالليل ما عمِلوه بالنهار .


[548]:الجبلة: الخلقة.