الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

ثم قال تعالى : { ومن الشياطين من يغوصون له }[ 81 ] .

أي : وسخرنا له من الشياطين قوما يغوصون له في البحر ، ( ويعملون عملا دون ذلك ) يعني{[46198]} البنيان والتماثيل والمحاريب وغير ذلك من الأعمال .

قال الفراء : دون ذلك : أي : سوى ذلك .

فإن قيل : كيف{[46199]} تهيأ للجن هذه الأعمال من البنيان{[46200]} العظيم واستخراج الدر من قعور البحار وغير ذلك ، وأجسامهم رقيقة ضعيفة لا تقدر على حمل الأجسام العظام{[46201]} ولا تقدر على ضر الناس إلا بالوسوسة لضعفهم ورقة أجسامهم . فالجواب أن الذين سخروا لهذه الأعمال أعطاهم الله قوة على ذلك . وذلك من إحدى المعجزات لسليمان . فلما مات سليمان ، سلبهم الله تعالى تلك القوة ، وردهم على خلقتهم الأولى{[46202]} ، فلا يقدرون الآن على حمل الأجسام الكثيفة ونقلها . ولو أظهروا ذلك ، وقدروا عليه ، لدخلت على الناس شبهة من جهتهم وتوهينا لمعجزات الرسل . وكذلك سخر الطير له بأن زاد في فهمها عنه وقبولها لأمره ، وخوفها عقابه ، وذلك من{[46203]} معجزات سليمان . فلما مات ، زال ذلك عنها ، ورجعت إلى ما خلقت عليه .

ثم قال تعالى : { وكنا لهم حافظين }[ 81 ] .

أي : لأعمالهم وأعدادهم وطاعتهم له ، حافظين .

وقيل : المعنى : وكنا لهم حافظين ، أن يفسدوا ما عملوا .

وقيل : حافظون لهم أن يهربوا منه ويمتنعوا عليه فحفظهم بما شاء من ملائكة أو جن مثلهم طائعين لله .


[46198]:قوله: (أي: وسخرنا...يعني) ساقط من ز.
[46199]:كيف سقطت من ز.
[46200]:ز: البناء.
[46201]:ز: العظيمة.
[46202]:ز: خلقهم الأول.
[46203]:من سقطت من ز.