تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

يقول تعالى - مخبرا عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى ، عليه{[5050]} السلام - أن الله يعلمه { الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } الظاهر أن المراد بالكتاب هاهنا الكتابة . والحكمة تقدم الكلام على تفسيرها في سورة البقرة{[5051]} .

{ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ } فالتوراة : هو الكتاب الذي أنزله الله على موسى بن عمران . والإنجيل : الذي أنزله الله على عيسى عليهما {[5052]} السلام ، وقد كان [ عيسى ]{[5053]} عليه السلام ، يحفظ هذا وهذا .


[5050]:في جـ، أ، و: "عليهما".
[5051]:الآية رقم 129.
[5052]:في و: "عليه".
[5053]:زيادة من جـ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ }

اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والمدينة وبعض قراء الكوفيين : { وَيُعَلّمُهُ } بالياء ردّا على قوله : { كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيُعَلّمُهُ الكِتابَ } فألحقوا الخبر في قوله : { وَيُعَلّمُهُ } ، بنظير الخبر في قوله : { يَخْلُقُ مَا يَشاءُ } ، وقوله : { فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين وبعض البصريين : «وَنُعَلّمُهُ » بالنون عطفا به على قوله : { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } كأنه قال : ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ، ونعلمه الكتاب . وقالوا : ما بعد «نوحيه » في صلته ، إلى قوله : «كن فيكون » ، ثم عطف بقوله : «ونعلمه عليه » .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مختلفتان غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب الصواب في ذلك لاتفاق معنى القراءتين في أنه خبر عن الله بأنه يعلم عيسى الكتاب ، وما ذكر أنه يعلمه ، وهذا ابتداء خبر من الله عزّ وجلّ لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة ، ورفعة المنزلة والفضيلة ، فقال : كذلك الله يخلق منك ولدا ، من غير فحل ولا بعل ، فيعلمه الكتاب ، وهو الخط الذي يخطه بيده ، والحكمة : وهي السنة التي نوحيها إليه في غير كتاب ، والتوراة : وهي التوراة التي أنزلت على موسى ، كانت فيهم من عهد موسى ، والإنجيل : إنجيل عيسى ، ولم يكن قبله ، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه ، وإنما أخبرها بذلك ، فسماه لها ، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل ، فأخبرها الله عزّ وجلّ أن ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي سمعت بصفته الذي وعد أنبياءه من قبل أنه منزل عليه الكتاب الذي يسمى إنجيلاً ، هو الولد الذي وهبه لها ، وبشرها به .

وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : «وَنُعَلّمُهُ الكِتابَ » قال : بيده .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : «وَنُعَلّمُهُ الكِتابَ والحِكْمَةَ » قال : الحكمة : السنة .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر¹ عن أبيه ، عن قتادة ، في قوله : «وَنُعَلّمُهُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ » قال : الحكمة : السنة ، { وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيل } قال : كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : «وَنُعَلّمُهُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ » قال : الحكمة : السنة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : أخبرها يعني : أخبر الله مريم ما يريد به فقال : «وَنُعَلّمُهُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ » التي كانت فيهم من عهد موسى { وَالإِنْجِيلَ } كتابا آخر أحدثه إليه ، لم يكن عندهم علمه إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء قبله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

جملة { ويعلّمه } معطوفة على جملة { ويكلّم الناس في المهد } [ آل عمران : 46 ] بعد انتهاء الاعتراض .

وقرأ نافع ، وعاصم : ويُعلّمه بالتحتِية أي يعلّمه اللَّهُ . وقرأه الباقون بنُون العظمة ، على الالتفات .

والكتاب مراد به الكتاب المعهود . وعطفُ التوراة تمهيد لعطف الإنجيل ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الكتابة وتقدم الكلام على التوراة والإنجيل في أول السورة .