{ ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } الكتاب : هنا مصدر ، أي : يعلمه الخط باليد ، قاله ابن عباس ، وابن جريج وجماعة وقيل : الكتاب هو كتاب غير معلوم ، علمه الله عيسى مع التوراة والإنجيل وقيل : كتب الله المنزلة .
والألف واللام للجنس وقيل : هو التوراة والإنجيل .
قالوا : وتكون الواو في : والتوراة ، مقحمة ، والكتاب عبارة عن المكتوب ، وتعليمه إياها قيل : بالإلهام ، وقيل : بالوحي ، وقيل : بالتوفيق والهداية للتعلم والحكمة .
تقدم تفسيرها ، وفسرت هنا : بسنن الأنبياء ، وبما شرعه من الدين ، وبالنبوة ، وبالصواب في القول والعمل وبالعقل ، وبأنواع العلم .
روي أن عيسى كان يستظهر التوراة ، ويقال لم يحفظها عن ظهر قلب غير : موسى ، ويوشع ، وعزير ، وعيسى .
وذكر الإنجيل لمريم وهو لم ينزل بعد لأنه كان كتاباً مذكوراً عند الأنبياء والعلماء ، وأنه سينزل .
وقرأ نافع ، وعاصم ، ويعقوب ، وسهل : ويعلمه ، بالياء وقرأ الباقون : بالنون ، وعلى كلتا القراءتين هو معطوف على الجملة المقولة ، وذلك إن قوله : قال كذلك ، الضمير في : قال ، عائد على الرب ، والجملة بعده هي المقولة ، وسواء كان لفظ الله مبتدأ ، وخبره فيما قبله ، لزم مبتدأ وخبره يخلق على ما مر إعرابه في : { قال كذلك الله يفعل ما يشاء } فيكون هذا من المقول لمريم ، أم على سبيل الاغتباط والتبشير بهذا الولد الذي يوجده الله منها ، ويجوز أن يكون معطوفاً على : يخلق ، سواء كانت خبراً عن الله أم تفسيراً لما قبلها ، إذا أعربت لفظ : الله مبتدأ وما قبله الخبر ، وهذا ظاهر كله على قراءة الياء .
وأما على قراءة النون ، فيكون من باب الإلتفات ، خرج من ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم لما في ذلك من الفخامة .
وقال أبو علي : وجوزه الزمخشري ، وغيره عطف : ويعلمه ، على : يبشرك ، وهذا بعيد جداً لطول الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه .
وأجاز ابن عطية وغيره أن يكون معطوفاً على : ويكلم ، وأجاز الزمخشري أن يكون معطوفاً على : وجيهاً ، فيكون على هذين القولين في موضع نصب على الحال .
وفيما أجازه أبو علي والزمخشري في موضع رفع لأنه معطوف على خبر إن ، وهذا القولان بعيدان أيضاً لطول الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يقع مثله في لسان العرب .
وقال بعضهم : ونعلمه ، بالنون حمله على قوله { نوحيه إليك } فإن عنى بالحمل العطف فلا شيء أبعد من هذا التقدير ، وإن عنى بالحمل أنه من باب الالتفات فهو صحيح وقال الزمخشري : أو هو كلام مبتدأ يعنى أنه لا يكون معطوفاً على شيء من هذه التي ذكرت ، فإن عنى أنه استئناف إخبار عن الله ، أو من الله ، على اختلاف القراءتين ، فمن حيث ثبوت الواو لا بد أن يكون معطوفاً على شيء قبله ، فلا يكون ابتداء كلام إلاَّ أن يدعى زيادة الواو في : ويعلمه ، فحينئذ يصح أن يكون ابتداء كلام ، وإن عنى أنه ليس معطوفاً على ما ذكر ، فكان ينبغي أن يبين ما عطف عليه ، وأن يكون الذي عطف عليه ابتداء كلام حتى يكون المعطوف كذلك .
وقال الطبري : قراءة الياء عطف على قوله { يخلق ما يشاء } وقراءة النون عطف على قوله { نوحيه إليك } قال ابن عطية : وهذا القول الذي قاله في الوجهين مفسد للمعنى . انتهى .
ولم يبين ابن عطية جهة إفساد المعنى ، أما قراءة النون فظاهر فساد عطفه على : نوحيه ، من حيث اللفظ ، ومن حيث المعنى ، أما من حيث اللفظ فمثله لا يقع في لسان العرب لبعد الفصل المفرط ، وتعقيد التركيب ، وتنافر الكلام .
وأما من حيث المعنى فإن المعطوف بالواو شريك المعطوف عليه ، فيصير المعنى بقوله ذلك من أنباء الغيب أي : إخبارك يا محمد بقصة امرأة عمران ، وولادتها لمريم ، وكفالة زكريا ، وقصته في ولادة يحيى له ، وتبشير الملائكة لمريم بالاصطفاء والتطهير ، كل ذلك من أخبار الغيب ، نعلِّمه ، أي : نعلم عيسى الكتاب ، فهذا كلام لا ينتظم معناه مع معنى ما قبله .
وأما قراءة الياء وعطف : ويعلمه ، على : يخلق ، فليست مفسدة للمعنى ، بل هو أولى وأصح ما يحمل عليه عطف : ويعلمه ، لقرب لفظه وصحة معناه .
وقد ذكرنا جوازه قبل ، ويكون الله قد أخبر مريم بأنه تعالى يخلق الأشياء الغريبة التي لم تجرِ بها عادة ، مثل ما خلق لك ولداً من غير أب ، وأنه تعالى يعلم هذا الولد الذي يخلقه لك ما لم يعلمه قبله من الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، فيكون في هذا الإخبار أعظم تبشير لها بهذا الولد ، وإظهار بركته ، وأنه ليس مشبهاً أولاد الناس من بني إسرائيل ، بل هو مخالف لهم في أصل النشأة ، وفيما يعلمه تعالى من العلم ، وهذا يظهر لي أنه أحسن ما يحمل عليه عطف : ويعلمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.