الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ويعلمه الكتاب } قال : الخط بالقلم .

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { ويعلمه الكتاب } قال : بيده .

وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : عندما ترعرع عيسى جاءت به أمه إلى الكتاب فدفعته إليه فقال : قل بسم . قال عيسى : بسم الله . فقال المعلم : قل الرحمن . قال عيسى : الرحمن الرحيم . فقال المعلم : قل أبو جاد . قال : هو في كتاب . فقال عيسى : أتدري ما ألف ؟ قال : لا . قال : آلاء الله . أتدري ما باء ؟ قال : لا . قال : بهاء الله . أتدري ما جيم ؟ قال : لا . قال : جلال الله . أتدري ما اللام ؟ قال : لا . قال : آلاء الله . فجعل يفسر على هذا النحو .

فقال المعلم : كيف أُعلِّم من هو أعلم مني ؟ ! قالت : فدعه يقعد مع الصبيان . فكان يخبر الصبيان بما يأكلون ، وما تدخر لهم أمهاتهم في بيوتهم .

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وابن مسعود مرفوعا " قال : إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم : اكتب بسم الله قال له عيسى : وما بسم ؟ قال له المعلم : ما أدري ؟ ! قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الآخرة والدنيا ، والرحيم رحيم الآخرة . أبو جاد : الألف . آلاء الله ، والباء بهاء الله ، جيم جلال الله ، دال الله الدائم . هوز : الهاء الهاوية ، واو ويل لأهل النار واد في جهنم ، زاي زين أهل الدنيا ، حطي : حاء الله الحكيم ، طاء الله الطالب لكل حق حتى يرده ، أي أهل النهار وهو الوجع . كلمن : الكاف الله الكافي ، لام : الله القائم ، ميم ، الله المالك ، نون الله البحر ، سعفص : سين ، السلام ، صاد الله الصادق ، عين الله العالم ، فاء الله ذكر كلمة صاد الله الصمد .

قرشت قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي أخضرت منه السماء ، راء رياء الناس بها ، سين ستر الله ، تاء تمت أبدا ، . قال ابن عدي ، هذا الحديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه غير إسمعيل بن يحيى .

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس . أن عيسى بن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلا حتى بلغ ما يبلغ الغلمان ، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان ، فأكثر إليهود فيه وفي أمه من قول الزور ، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه ، فلما فطم أكل الطعام ، وشرب الشراب ، حتى بلغ سبع سنين أسلمته أمه لرجل يعلمه كما يعلم الغلمان ، فلا يعلمه شيئا إلا بدره عيسى إلى عمله قبل أن يعلمه إياه .

فعلمه أبا جاد فقال عيسى : ما أبو جاد ؟ قال المعلم : لا أدري ! فقال عيسى : فكيف تعلمني ما لا تدري ؟ ! فقال المعلم : إذن فعلمني . قال له عيسى : فقم من مجلسك فقام ، فجلس عيسى مجلسه فقال عيسى : سلني . . . فقال المعلم : فما أبو أبجد ؟ فقال عيسى : الألف آلاء الله ، باء بهاء الله ، جيم بهجة الله وجماله . فعجب المعلم من ذلك ، فكان أول من فسر أبجد عيسى ابن مريم عليه السلام .

قال وسأل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا رسول الله ما تفسير أبي جاد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموا تفسير أبي جاد فإن فيه الأعاجيب كلها ، ويل لعالم جهل تفسيره . فقيل : يا رسول الله وما تفسير أبي جاد ؟ قال : الألف آلاء الله ، والباء بهجة الله وجلاله ، والجيم مجد الله ، والدال دين الله ، هوّز الهاوية ويل لمن هوى فيها ، والواو ويل لأهل النار ، والزاي الزاوية يعني زوايا جهنم .

حطي : الحاء حط خطايا المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبريل مع الملائكة إلى مطلع الفجر ، والطاء طوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله بيده ، والياء يد الله فوق خلقه . كلمن : الكاف كلام الله لا تبديل لكلماته ، واللام إلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة والتحية والسلام وتلاوم أهل النار بينهم ، والميم ملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى ، ونون ( نون والقلم وما يسطرون ) ( القلم الآية 1 - 2 ) صعفص : الصاد صاع بصاع ، وقسط بقسط ، وقص بقص ، يعني الجزاء بالجزاء ، وكما تدين تدان ، والله لا يريد ظلما للعباد . قرشت : يعني قرشهم فجمعهم يقضي بينهم يوم القيامة وهم لا يظلمون .

- ذكر نبذ من حكم عيسى عليه السلام

أخرج ابن المبارك في الزهد أخبرنا ابن عيينة عن خلف بن حوشب قال : قال عيسى عليه السلام للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك اتركوا لهم الدنيا .

وأخرج ابن عساكر عن يونس بن عبيد قال : كان عيسى بن مريم عليه السلام يقول : لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن ثابت البناني قال : قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت حمارا تركبه لحاجتك ؟ فقال : أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئا يشغلني به .

وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال : قال عيسى : معاشر الحواريين إن خشية الله وحب الفردوس يورثان الصبر على المشقة ، ويباعدان من زهرة الدنيا .

وأخرج ابن عساكر عن عتبة بن يزيد قال : قال عيسى بن مريم : يا ابن آدم الضعيف اتق الله حيثما كنت ، وكل كسرتك من حلال ، واتخذ المسجد بيتا ، وكن في الدنيا ضعيفا ، وعوّد نفسك البكاء ، وقلبك التفكر ، وجسدك الصبر ، ولا تهتم برزقك غدا فإنها خطيئة تكتب عليك .

وأخرج ابن أبي الدنيا والاصبهاني في الترغيب عن محمد بن مطرف . أن عيسى قال : فذكره .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهيب المكي قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال : أصل كل خطيئة حب الدنيا . ورب شهوة أورثت أهلها حزنا طويلا .

وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن سعيد قال : كان عيسى يقول : اعبروا الدنيا ولا تعمروها ، وحب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنظر يزرع في القلب الشهوة .

وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن سعيد قال : كان عيسى عليه السلام يقول : حب الدنيا أصل كل خطيئة ، والمال فيه داء كبير . قالوا : وما داؤه ؟ قال : لا يسلم من الفخر والخيلاء . قالوا : فإن سلم ؟ قال : يشغله إصلاحه عن ذكر الله .

وأخرج ابن المبارك عن عمران الكوفي قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : لا تأخذوا ممن تعلمون الأجر الأمثل الذي أعطيتموني ، ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح ، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء ، واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل . الضحك من غير عجب ، والصبيحة من غير سهر .

وأخرج الحكيم الترمذي عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : بالقلوب الصالحة يعمر الله الأرض ، وبها يخرب الأرض إذا كانت على غير ذلك .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن مالك بن دينار قال : كان عيسى بن مريم عليه السلام إذا مر بدار وقد مات أهلها وقف عليها فقال : ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك بإخوانهم الماضين ؟ !

وأخرج البيهقي عن مالك بن دينار قال : قالوا لعيسى عليه السلام يا روح الله ألا نبني لك بيتا ؟ قال : بلى . ابنوه على ساحل البحر قالوا : إذن يجيء الماء فيذهب به قال : أين تريدون ؟ تبنون لي على القنطرة ؟

وأخرج أحمد في الزهد عن بكر بن عبد الله قال : فقد الحواريون عيسى عليه السلام فخرجوا يطلبونه فوجدوه يمشي على الماء فقال بعضهم : يا نبي الله أنمشي إليك ؟ قال : نعم . فوضع رجله ثم ذهب يضع الأخرى فانغمس فقال : هات يدك يا قصير الإيمان . لو أن لابن آدم مثقال حبة أو ذرة من اليقين إذن لمشى على الماء .

وأخرج أحمد عن عبد الله بن نمير قال : سمعت أن عيسى عليه السلام قال : كانت ولم أكن ، وتكون ولا أكون فيها .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : لما بعث عيسى عليه السلام أكب الدنيا على وجهها ، فلما رفع رفعها الناس بعده .

وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن الحسن قال : قال عيسى عليه السلام : إني أكببت الدنيا لوجهها ، وقعدت على ظهرها ، فليس لي ولد يموت ، ولا بيت يخرب . قالوا له : أفلا نتخذ لك بيتا ؟ قال : ابنوا لي على سبيل الطريق بيتا قالوا : لا يثبت ! قالوا : أفلا نتخذ لك زوجة ؟ قال : ما أصنع بزوجة تموت !

وأخرج أحمد عن خيثمة قال : مرت امرأة على عيسى عليه السلام فقالت : طوبى لثدي أرضعك ، وحجر حملك . فقال عيسى عليه السلام : طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم عمل بما فيه .

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام : إني وهبت لك حب المساكين ورحمتهم ، تحبهم ويحبونك ، ويرضون بك إماما وقائدا ، وترضى بهم صحابة وتبعا ، وهما خلقان . اعلم أن من لقيني بهما لقيني بأزكى الأعمال وأحبها إلي .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن ميمون بن سياه قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين اتخذوا المساجد مساكن ، واجعلوا بيوتكم كمنازل الأضياف . فما لكم في العالم من منزل ، إن أنتم إلا عابري سبيل .

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام قال : بحق أن أقول لكم أن أكناف السماء لخالية من الأغنياء ، ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة .

وأخرج عبد الله في زوائده عن جعفر بن حرفاس أن عيسى بن مريم قال : رأس الخطيئة حب الدنيا ، والخمر مفتاح كل شر ، والنساء حبالة الشيطان .

وأخرج أحمد عن سفيان قال : قال عيسى بن عليه السلام : إن للحكمة أهلا . فإن وضعتها في غير أهلها أضعتها ، وإن منعتها من أهلها ضيعتها . كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي .

وأخرج أحمد عن محمد بن واسع أن عيسى ابن مريم قال يا بني إسرائيل إني أعيذكم بالله أن تكونوا عارا على أهل الكتاب . يا بني إسرائيل قولكم شفاء يذهب الداء ، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء .

وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى لأحبار بني إسرائيل : لا تكونوا للناس كالذئب السارق ، وكالثعلب الخدوع ، وكالحدأ الخاطف .

وأخرج أحمد عن مكحول قال : قال عيسى بن مريم : يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر دارا ؟ قالوا : يا روح الله ومن يقدر على ذلك ! قال : إياكم والدنيا فلا تتخذوها قرارا .

وأخرج أحمد عن زياد أبي عمرو قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال : إنه ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعلم ، ولما تعمل بما قد علمت ، إن كثرة العلم لا تزيد إلا كبرا إذا لم تعمل به .

وأخرج أحمد عن إبراهيم بن الوليد العبدي قال : بلغني أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال : الزهد يدور في ثلاثة أيام : أمس خلا وعظت به ، واليوم زادك فيه ، وغدا لا تدري ما لك فيه . قال : والأمر يدور على ثلاثة . أمر بأن لك رشده فاتبعه ، وأمر بأن لك غيه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فكله إلى الله عز وجل .

وأخرج أحمد عن قتادة قال : قال عيسى عليه الصلاة والسلام : سلوني فإن قلبي لين ، وإني صغير في نفسي .

وأخرج أحمد عن بشير الدمشقي قال : مر عيسى عليه الصلاة والسلام بقوم فقال : اللهم اغفر لنا ثلاثا فقالوا : يا روح الله إنا نريد أن نسمع منك اليوم موعظة ، ونسمع منك شيئا لم نسمعه فيما مضى ؟ فأوحى الله إلى عيسى أن قل لهم " إني من أغفر له مغفرة واحدة أصلح له بها دنياه وآخرته " .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال : كان عيسى عليه السلام إذا دعا القراء قام عليهم ثم قال : هكذا اصنعوا بالقراء .

وأخرج أحمد عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : إن أحببتم أن تكونوا أصفياء الله ، ونور بني آدم من خلقه فاعفوا عمن ظلمكم ، وعودوا من لا يعودكم ، وأحسنوا إلى من لا يحسن إليكم ، وأقرضوا من لا يجزيكم .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبيد بن عمير . أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يلبس الشعر ، ويأكل من ورق الشجر ، ويبيت حيث أمسى ، ولا يرفع غداء ولا عشاء لغد ، ويقول : يأتي كل يوم برزقه .

وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى ابن مريم : يا دار تخربين ويفنى سكانك ، ويا نفس اعملي ترزقي ، ويا جسد انصب تسترح .

وأخرج أحمد عن وهب ابن منبه قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : بحق أقول لكم - وكان عيسى عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يقول بحق - أقول لكم : إن أشدكم حبا للدنيا أشدكم جزعا على المصيبة .

وأخرج أحمد عن عطاء الأزرق قال : بلغنا أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال : يا معشر الحواريين كلوا خبز الشعير ، ونبات الأرض ، والماء القراح ، وإياكم وخبز البر ، فإنكم لا تقومون بشكره ، واعلموا أن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة ، وأشد مرارة الدنيا حلاوة الآخرة .

وأخرج ابنه في زوائده عن عبد الله بن شوذب قال : قال عيسى بن مريم : جودة الثياب من خيلاء القلب .

وأخرج أحمد عن سفيان قال : قال عيسى عليه الصلاة والسلام : إني ليس أحدثكم لتعجبوا إنما أحدثكم لتعلموا .

وأخرج ابنه عن أبي حسان قال : قال عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام : كن كالطبيب العالم يضع دواءه حيث ينفع .

وأخرج ابنه عن عمران بن سليمان قال : بلغني أن عيسى بن مريم قال : يا بني إسرائيل تهاونوا بالدنيا تهن عليكم ، وأهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم ، ولا تكرموا الدنيا فتهون الآخرة عليكم ، فإن الدنيا ليست بأهل الكرامة ، وكل يوم تدعو للفتنة والخسارة .

وأخرج ابن المبارك وأحمد عن أبي غالب قال في وصية عيسى عليه الصلاة والسلام : يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقربوا إليه بالمقت لهم ، والتمسوا رضاه بسخطهم . قالوا : يا نبي الله فمن نجالس ؟ قال : جالسوا من يزيد في عملكم منطقه ، ومن يذكركم الله رؤيته ، ويزهدكم في الدنيا عمله .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : أوحى الله إلى عيسى " عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس ، وإلا فاستحي مني " .

وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى للحواريين : بقدر ما تنصبون ههنا تستريحون ههنا ، وبقدر ما تستريحون ههنا تنصبون ههنا .

وأخرج ابن المبارك وأحمد عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى عليه الصلاة والسلام : طوبى لمن خزن لسانه ، ووسعه بيته ، وبكى من ذكر خطيئته .

وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد عن هلال بن يساف قال : كان عيسى يقول : إذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله ، وإذا صام فليدهن وليمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يرى أنه صائم ، وإذا صلى فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق .

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن خالد الربعي قال : ثبت أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه : أرأيتم لو أن أحدكم أتى على أخيه المسلم وهو نائم وقد كشفت الريح بعض ثوبه ؟ فقالوا : إذا كنا نرده عليه قال : لا . بل تكشفون ما بقي ، مثل ضربه للقوم يسمعون الرجل بالسيئة فيذكرون أكثر من ذلك .

وأخرج أحمد عن أبي الجلد قال : قال عيسى ابن مريم : فكرت في الخلق فإذا من لم يخلق كان أغبط عندي ممن خلق . وقال : لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد . والناس رجلان : مبتلى ، ومعافى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي الهذيل قال : لقي عيسى يحيى فقال : أوصني قال : لا تغضب قال : لا أستطيع قال : لا تفتن مالا قال : أما هذا لعله .

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال : مر عيسى عليه السلام والحواريون رضي الله تعالى عنهم على جيفة كلب فقالوا : ما أنتن هذا ! فقال : ما أشد بياض أسنانه . يعظهم وينهاهم عن الغيبة .

وأخرج أحمد عن الأوزاعي قال : كان عيسى يحب العبد يتعلم المهنة يستغني بها عن الناس ، ويكره العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجهد قال : قال عيسى عليه السلام : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم ، انظروا إلى هذا الطير يغدو ويروح ولا يحرث ، ولا يحصد ، الله تعالى يرزقها . فإن قلتم نحن أعظم بطونا من الطير فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحش والحمر ، تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد ، الله تعالى يرزقها ، اتقوا فضول الدنيا فإن فضول الدنيا عند الله رجز .

وأخرج أحمد عن وهب قال : إن إبليس قال لعيسى : زعمت أنك تحيي الموتى فإن كنت كذلك فادع الله أن يرد هذا الجبل خبزا فقال له عيسى : أو كل الناس يعيشون بالخبز ؟ قال : فإن كنت كما تقول فثب من هذا المكان فإن الملائكة ستلقاك قال : إن ربي أمرني أن لا أجرب نفسي ، فلا أدري هل يسلمني أم لا .

وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد أن عيسى بن مريم كان يقول : للسائل حق وإن أتاك على فرس مطوق بالفضة .

وأخرج عن بعضهم قال أوحى الله إلى عيسى : إن لم تطب نفسك أن تصفك الناس بالزاهد في لم أكتبك عندي راهبا ، فما يضرك إذا بغضك الناس وأنا عنك راض ، وما ينفعك حب الناس وأنا عليك ساخط .

وأخرج أحمد عن الحضرمي وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن فضيل بن عياض قالا : قيل لعيسى بن مريم بأي شيء تمشي على الماء ؟ قال : بالإيمان واليقين قالوا : فإنا آمنا كما آمنت ، وأيقنا كما أيقنت . قال : فامشوا إذن . فمشوا معه فجاء الموج فغرقوا ، فقال لهم عيسى : ما لكم ؟ قالوا : خفنا الموج قال : ألا خفتم رب الموج فأخرجهم ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها ، فإذا في إحدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر فقال : أيهما أحلى في قلوبكم ؟ قالوا : الذهب قال : فإنهما عندي سواء .

وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد وابن عساكر عن الشعبي قال : كان عيسى بن مريم إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول : لا ينبغي لابن مريم أن تذكر عنده الساعة فيسكت .

وأخرج أحمد وابن عساكر عن مجاهد قال : كان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ، ويأكل الشجر ، ولا يخبئ اليوم لغد ، ويبيت حيث أواه الليل . ولم يكن له ولد فيموت ، ولا بيت فيخرب .

وأخرج ابن عساكر عن الحسن : إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة ، وإن الفرارين بدينهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى بن مريم ، وأن عيسى مر به إبليس يوما وهو متوسد حجرا وقد وجد لذة النوم فقال له إبليس : يا عيسى أليس تزعم أنك لا تريد شيئا من عرض الدنيا فهذا الحجر من عرض الدنيا ؟ فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به وقال : هذا لك مع الدنيا .

وأخرج ابن عساكر عن كعب أن عيسى كان يأكل الشعير ، ويمشي على رجليه ، ولا يركب الدواب ، ولا يسكن البيوت ، ولا يستصبح بالسراج ، ولا يلبس القطن ، ولا يمس النساء ، ولا يمس الطيب ، ولم يمزج شرابه بشيء قط ، ولم يبرده ، ولم يدهن رأسه قط ، ولم يقرب رأسه ولا لحيته غسول قط ، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئا قط إلا لباسه ، ولم يهتم لغداء قط ، ولا لعشاء قط ، ولا يشتهي شيئا من شهوات الدنيا . وكان يجالس الضعفاء والزمنى والمساكين ، وكان إذا قرب إليه الطعام على شيء وضعه على الأرض ، ولم يأكل مع الطعام إداما قط ، وكان يجتزئ من الدنيا بالقوت القليل ويقول : هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير .

وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم : تزوج . قال : وما أصنع بالتزويج ؟ قالوا : تلد لك الأولاد . قال : الأولاد إن عاشوا أفتنوا ، وإن ماتوا أحزنوا .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن شعيب بن إسحق قال : قيل لعيسى : لو اتخذت بيتا قال : يكفينا خلقان من كان قبلنا .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ميسرة قال : قيل لعيسى : ألا تبني لك بيتا ؟ قال : لا أترك بعدي شيئا من الدنيا أذكر به .

وأخرج ابن عساكر عن أبي سليمان قال : بينا عيسى يمشي في يوم صائف وقد مسه الحر والعطش ، فجلس في ظل خيمة ، فخرج إليه صاحب الخيمة فقال : يا عبد الله قم من ظلنا . فقام عيسى عليه السلام ، فجلس في الشمس وقال : ليس أنت الذي أقمتني إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئا .

وأخرج أحمد عن سفيان بن عيينة قال : كان عيسى ويحيى عليهما السلام يأتيان القرية فيسأل عيسى عليه السلام عن شرار أهلها ، ويسأل يحيى عليه السلام عن خيار أهلها فقال له : لم تنزل على شرار الناس ؟ قال : إنما أنا طبيب أداوي المرضى .

وأخرج أحمد عن هشام الدستوائي قال : بلغني أن في حكمة عيسى بن مريم عليه السلام : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ، ويحكم . . . ! علماء السوء . الأجر تأخذون والعمل تضيعون ، توشكون أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه ، والله عز وجل ينهاكم عن المعاصي كما أمركم بالصوم والصلاة . كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في الدنيا أفضل رغبة ؟ كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ينفعه ؟ وكيف يكون من أهل العلم من سخط واحتقر منزلته وهو يعلم أن ذلك من علم الله وقدرته ؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله تعالى في قضاءه فليس يرضى بشيء أصابه ؟ كيف يكون من أهل العلم من طلب الكلام ليتحدث ولم يطلبه ليعمل به ؟

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه ، أن عيسى عليه السلام مر بعقبة أفيق ومعه رجل من حواريه ، فاعترضهم رجل فمنعهم الطريق وقال : لا أترككما تجوزان حتى ألطم كل واحد منكما لطمة ، فحاولاه فأبى إلا ذاك فقال عيسى عليه السلام ، أما خدي فالطمه . فلطمه فخلى سبيله وقال للحواري : لا أدعك تجوز حتى ألطمك فتمنع عليه ، فلما رأى عيسى ذاك أعطاه خده الآخر فلطمه ، فخلى سبيلهما فقال عيسى عليه السلام : اللهم إن كان هذا لك رضا فبلغني رضاك ، وإن كان هذا سخطا فإنك أولى بالعفو .

وأخرج عبد الله ابنه عن علي بن أبي طالب قال : بينما عيسى عليه السلام جالس مع أصحابه مرت به امرأة : فنظر إليها بعضهم فقال له بعض أصحابه : زنيت فقال له عيسى : أرأيت لو كنت صائما فمررت بشواء فشممته أكنت مفطرا ؟ قال : لا .

وأخرج أحمد عن عطاء قال : قال عيسى : ما أدخل قرية يشاء أهلها أن يخرجوني منها إلا أخرجوني . يعني ليس لي فيها شيء قال : وكان عيسى عليه السلام يتخذ نعلين من لحي الشجر ، ويجعل شراكهما من ليف .

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : قال المسيح : ليس كما أريد ولكن كما تريد ، وليس كما أشاء ولكن كما تشاء .

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : بلغني أنه ما من كلمة كانت تقال لعيسى عليه السلام أحب إليه من أن يقال : هذا المسكين .

وأخرج ابنه عن ابن حليس قال : قال عيسى : إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال ، وتزيينه عند الهوى واستكماله عند الشهوات .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن جعفر بن برقان قال : كان عيسى يقول : اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ، ولا أملك نفع ما أرجو ، وأصبح الأمر بيد غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي ، فلا فقير أفقر مني ، فلا تشمت بي عدوي ، ولا تسيء بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ، ولا تسلط علي من لا يرحمني .

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : في كتب الحواريين إذا سلك بك سبيل البلاء فاعلم أنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين ، وإذا سلك بك سبيل أهل الرخاء فاعلم أنه سلك بك غير سبيلهم ، وخولف بك عن طريقهم .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : قال عيسى : إنما أبعثكم كالكباش تلتقطون خرفان بني إسرائيل ، فلا تكونوا كالذئاب الضواري التي تختطف الناس ، وعليكم بالخرفان ما لكم تأتون عليكم ثياب الشعر ، وقلوبكم قلوب الخنازير ، البسوا ثياب الملوك ، ولينوا قلوبكم بالخشية . وقال عيسى : يا ابن آدم اعمل بأعمال البر حتى يبلغ عملك عنان السماء ، فإن لم يكن حبا في الله ما أغنى ذلك عنك شيئا . وقال عيسى للحواريين : إن إبليس يريد أن يبخلكم فلا تقعوا في بخله .

وأخرج أحمد عن الحسن بن علي الصنعاني قال : بلغنا أن عيسى عليه السلام قال : يا معشر الحواريين ادع الله أن يخفف عني هذه السكرة - يعني الموت - ثم قال عيسى : لقد خفت الموت خوفا أوقفني مخافتي من الموت على الموت .

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام كان واقفا على قبر ومعه الحواريون وصاحب القبر يدلى فيه ، فذكروا من ظلمة القبر ووحشته وضيقه فقال عيسى : قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم ، فإذا أحب الله أن يوسع وسع .

وأخرج أحمد عن وهب قال : قال المسيح عليه السلام : أكثروا ذكر الله ، وحمده ، وتقديسه ، وأطيعوه ، فإنما يكفي أحدكم من الدعاء إذا كان الله تبارك وتعالى راضيا عليه أن يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي ، وأصلح لي معيشتي ، وعافني من المكاره يا إلهي .

وأخرج أحمد عن أبي الجلد ، أن عيسى عليه السلام قال للحواريين : بحق أقول لكم : ما الدنيا تريدون ولا الآخرة قالوا : يا رسول الله فسر لنا هذا فقد كنا نرى أنا نريد إحداهما ! قال : لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح خزائنها بيده فأعطاكم ، ولو أردتم الآخرة أطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكم ، ولكن لا هذه تريدون ولا تلك .

وأخرج أحمد عن أبي عبيدة . أن الحواريين قالوا لعيسى : ماذا نأكل ؟ قال : تأكلون خبز الشعير ، وبقل البرية . قالوا : فماذا نشرب ؟ قال : تشربون ماء القراح . قالوا : فماذا نتوسد ؟ قال : توسدوا الأرض قالوا : ما نراك تأمرنا من العيش إلا بكل شديد ! قال : بهذا تنجون ولا تحلون ملكوت السموات حتى يفعله أحدكم وهو منه على شهوة قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ قال : ألم تروا أن الرجل إذا جاع فما أحب إليه الكسرة وإن كانت شعيرا ، وإن عطش فما أحب إليه الماء وإن كان قراحا ، وإذا أطال القيام فما أحب إليه أن يتوسد الأرض .

وأخرج أحمد عن عطاء ، أنه بلغه أن عيسى عليه السلام قال : ترج ببلاغة ، وتيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم بلطف الفطنة ، لا تكن حلسا مطروحا وأنت حي تتنفس .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي هريرة قال : كان عيسى عليه السلام يقول : يا معشر الحواريين اتخذوا بيوتكم منازل ، واتخذوا المساجد مساكن ، وكلوا من بقل البرية ، واخرجوا من الدنيا بسلام .

وأخرج أحمد عن إبراهيم التيمي أن عيسى عليه السلام قال : اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب المرء عند كنزه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : بيتي المسجد ، وطيبي الماء ، وإدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ودابتي رجلاي ، ومصطلاي في الشتاء مشارق الشمس ، وسراجي بالليل القمر ، وجلسائي الزمنى والمساكين ، وأمسي وليس لي شيء ، وأصبح وليس لي شيء ، وأنا بخير فمن أغنى مني .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال : قال عيسى : بطحت لكم الدنيا ، وجلستم على ظهرها ، فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء . فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم دنياهم . وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة .

وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري قال : قال المسيح عليه السلام : إنما تطلب الدنيا لتبر فتركها أبر .

وأخرج ابن عساكر عن شعيب بن صالح قال عيسى بن مريم : والله ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث : شغل لا ينفك عناه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا يدرك منتهاه . الدنيا طالبة ومطلوبة . فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه .

وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى بن مريم : كما توضعون كذلك ترفعون ، وكما ترحمون كذلك ترحمون ، وكما تقضون من حوائج الناس كذلك يقضي الله من حوائجكم .

وأخرج أحمد وابن عساكر عن الشعبي قال : قال عيسى بن مريم : ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك تلك مكافأة ، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك .

وأخرج ابن عساكر عن ابن المبارك قال : بلغني أن عيسى بن مريم مر بقوم فشتموه فقال خيرا . ومر بآخرين فشتموه وزادوا فزادهم خيرا . فقال رجل من الحواريين : كلما زادوك شرا زدتهم خيرا كأنهم تغريهم بنفسك ! فقال عيسى عليه السلام : كل إنسان يعطي ما عنده .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال : مر بعيسى ابن مريم خنزير فقال : مر بسلام . فقيل له : يا روح الله لهذا الخنزير تقول ! قال : أكره أن أعود لساني الشر .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان قال : قالوا لعيسى ابن مريم ، دلنا على عمل ندخل به الجنة قال : لا تنطقوا أبدا قالوا : لا نستطيع ذلك ! قال : فلا تنطقوا إلا بخير .

وأخرج الخرائطي عن إبراهيم النخعي قال : قال عيسى ابن مريم : خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق ، كونوا منتقدي الكلام كي لا يجوز عليكم الزيوف .

وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد عن زكريا بن عدي قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين ، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا .

وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : أكل الشعير مع الرماد ، والنوم على المزابل مع الكلاب . لقليل في طلب الفردوس .

وأخرج ابن عساكر عن أنس بن مالك قال : كان عيسى ابن مريم يقول : لا يطيق عبد أن يكون له ربان . أن أرضى أحدهما أسخط الآخر ، وإن أسخط أحدهما أرضى الآخر . وكذلك لا يطيق عبد أن يكون له خادما للدنيا يعمل عمل الآخرة . لا تهتموا بما تأكلون ولا ما تشربون ، فإن الله لم يخلق نفسا أعظم من رزقها ، ولا جسدا أعظم من كسوته فاعتبروا .

وأخرج ابن عساكر عن المقبري . أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول : يا ابن آدم إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها ، وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينك .

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن عيسى ابن مريم كان يقول : من كان يظن أن حرصا يزيد في رزقه فليزد في طوله ، أو في عرضه ، أو في عدد بنائه ، أو تغير لونه . ألا فإن الله خلق الخلق فهيأ الخلق لما خلق ، ثم قسم الرزق فمضى الرزق لما قسم ، فليست الدنيا بمعطية أحدا شيئا ليس له ، ولا بمانعة أحدا شيئا هو لكم ، فعليكم بعبادة ربكم فإنكم خلقتم لها .

وأخرج ابن عساكر عن عمران بن سليمان قال : بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال لأصحابه : إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس .

وأخرج أحمد والبيهقي عن عبد العزيز بن ظبيان قال : قال المسيح : من تعلم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل فقال : يا معشر الحواريين لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، والأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه ، وأمر تبين لكم غيه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم فيه فردوا علمه إلى الله تعالى " .

وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن قيس الملائي قال : قال عيسى ابن مريم : إن منعت الحكمة أهلها جهلت ، وإن منحتها غير أهلها جهلت . كن كالطبيب المداوي إن رأى موضعا للدواء وإلا أمسك .

وأخرج عبد الله بن أحمد في الزهد وابن عساكر عن عكرمة قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : يا معشر الحواريين لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤة شيئا ، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير .

وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : قال عيسى : يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة . فلا أنتم تدخلونها ، ولا تدعون المساكين يدخلونها . إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : إن مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت لا يحرقه ، فإنه ينتن ريحه ويغير لونه .

قوله تعالى : { والتوراة والإنجيل }

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل .