ثم قال تعالى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } أي : لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسل والفرقان{[10194]} لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن ، ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه { وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : خارجون عن طاعة الله ورسوله مخالفون لآيات وحيه وتنزيله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلََكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : ولو كان هؤلاء الذين يتولون الذين كفروا من بني إسرائيل يُؤْمِنُونَ بالله والنّبِيّ يقول : يصدّقون بالله ويقرّون به ويوحدونه ويصدّقون نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، بأنه لله نبيّ مبعوث ورسول مرسل . وما أُنْزِلَ إلَيْهِ يقول : يقرّون بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من آي الفرقان . ما اتّخَذُوهُمْ أوْلِيَاءٍ يقول : ما اتخذوهم أصحابا وأنصارا من دون المؤمنين . وَلَكِنّ كَثِيرا مِنْهُمْ فاسِقُونَ يقول : ولكن كثيرا منهم أهل خروج عن طاعة الله إلى معصيته وأهل استحلال لما حرّم الله عليهم من القول والفعل . وكان مجاهد يقول في ذلك ما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَالنّبِيّ وَما أُنْزِلَ إلَيْهِ ما اتّخَذُوهُمْ أوْلِياءَ قال : المنافقون .
قوله : { ولو كانوا يؤمنون بالله والنّبيء } إلخ الواو للحال من قوله : { ترى كثيراً منهم } باعتبار كون المراد بهم المتظاهرين بالإسلام بقرينة ما تقدّم ، فالمعنى : ولو كانوا يؤمنون إيماناً صادقاً ما تّخذوا المشركين أولياء . والمراد بالنّبيء محمّد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه القرآن ، وذلك لأنّ النّبيء نهَى المؤمنين عن موالاة المشركين ، والقرآن نهى عن ذلك في غير ما آية . وقد تقدّم في قوله : { لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } [ آل عمران : 28 ] . وقد جعل موالاتهم للمشركين علامة على عدم إيمانهم بطريقة القياس الاستثنائي ، لأنّ المشركين أعداء الرّسول فموالاتهم لهم علامة على عدم الإيمان به . وقد تقدّم ذلك في سورة آل عمران .
وقوله : { ولكنّ كثيراً منهم فاسقون } هو استثناء القياس ، أي ولكنّ كثيراً من بني إسرائيل { فاسقون } . فالضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير { ترى كثيراً منهم } و { فاسقون } كافرون ، فلا عَجَب في موالاتهم المشركين لاتّحادهم في مناواة الإسلام . فالمراد بالكثير في قوله : { ولكنّ كثيراً منهم فاسقون } عين المراد من قوله { ترى كثيراً منهم يتولّون الّذين كفروا } فقد أعيدت النكرة نكرة وهي عين الأولى إذ ليس يلزم إعادتها معرفة . ألا ترى قوله تعالى : { فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً } [ الشرح : 5 ، 6 ] . وليس ضمير { منهم } عائداً إلى { كثيراً } إذ ليس المراد أنّ الكثير من الكثير فاسقون بل المراد كلّهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.