تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

يخبر تعالى أنهم لما عتوا وتمردوا ، مع ابتلائه إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة ، [ أنه ]{[12082]} انتقم منهم بإغراقه إياهم في اليم ، وهو البحر الذي فرقه لموسى ، فجاوزه وبنو إسرائيل معه ، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم ، فلما استكملوا فيه ارتطم عليهم ، فغرقوا عن آخرهم ، وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وتغافلهم عنها .


[12082]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمّ بِأَنّهُمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : فلما نكثوا عهودهم ، انتقمنا منهم ، يقول : انتصرنا منهم بإحلال نقمتنا بهم وذلك عذابه فأغرقناهم في اليمّ ، وهو البحر ، كما قال ذو الرّمّة :

داوِيّةٌ وَدُجَى لَيْلٍ كأنّهُما ***يَمّ تَراطَنُ فِي حافاتِهِ الرّومُ

وكما قال الراجز :

***كباذِخِ الْيَمّ سَقاهُ الْيَمّ ***

بأنّهُمْ كَذّبُوا بآياتِنا يقول : فعلنا ذلك بهم ، بتكذيبهم بحججنا وأعلامنا التي أريناهموها . وكانُوا عَنْها غافِلِينَ يقول : وكانوا عن النقمة التي أحللناها بهم غافلين قبل حلولها بهم أنها بهم حالة . والهاء والألف في قوله : «عَنْها » كناية من ذكر النقمة ، فلو قال قائل : هي كناية من ذكر الاَيات ، ووجه تأويل الكلام إلى : وكانوا عنها معرضين فجعل إعراضهم عنها غفولاً منهم إذ لم يقبلوها ، كان مذهبا يقال من الغفلة ، غَفَل الرجل عن كذا يَغْفُل عنه غَفْلة وغُفُولاً وغَفْلاً .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

و { اليم } البحر ، ومنه قول ذي الرمة :

ذوية ودجا ليل كأنهما*** يم تراطن في حافاته الروم

والباء في قوله : { بأنهم } باء التسبيب ، ووصف الكفار بالغفلة وهم قد كذبوا وردوا في صدر الآيات من حيث غفلوا عما تتضمنه الآيات من الهدى والنجاة فعن ذلك غفلوا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

هذا محل العبرة من القصة ، فهو مفرع عليها تفريع النتيجة على المقدمات والفذلكة على القصة ، فإنه بعد أن وصف عناد فرعون وَمَلَئهِ وتكذيبَهم رسالة موسى واقتراحهم على موسى أن يجيء بآية ومشاهدتهم آية انقلاب العصا ثعباناً ، وتغيير لون يده ، ورميَهم موسى بالسحر ، وسوء المقصد ، ومعارضة السحرة معجزة موسى وتغلب موسى عليهم ، وكيف أخذ الله آل فرعون بمصائِب جعلها آيات على صدق موسى ، وكيف كابروا وعاندوا ، حتى ألْجِئوا إلى أن وعدوا موسى بالإيمان وتسريح بني إسرائيل معه وعاهدوه على ذلك ، فلما كشف عنهم الرجز نكثوا ، فأخبر الله بأن ذلك ترتب عليه استئصال المستكبرين المعاندين ، وتحريرُ المؤمنين الذين كانوا مستضعفين .

وذلك محل العبرة ، فلذلك كان الموقع في عطفه لفاء الترتيب والتسبب ، وقد اتبع في هذا الختام الأسلوبُ التي اختتمت به القصص التي قبل هذا .

والانتقام افتعال ، وهو العقوبة الشديدة الشبيهة بالنّقْم . وهو غضب الحنق على ذنْببِ اعتداء على المنتقمِ ينكر ويَكْرَه فاعلَه .

وأصل صيغة الافتعال أن تكون لمطاوعة فَعَل المتعدي بحيث يكون فاعل المطاوعة هو مفعول الفعل المجرد ، ولم يسمع أن قالوا نَقَمَه فانتقم . أي أحفظه وأغضبه فعاقب ، فهذه المطاوعة أميت فعلها المجردُ ، وعدوه إلى المعاقب بمن الابتدائية للدلالة على أنه منشأ العقوبة وسببها وأنه مستوجبها ، وتقدم الكلام على المجرد من هذا الفعل عند قوله تعالى آنفاً : { وما تَنَقم منا إلاّ أن آمنا بآيات ربنا } [ الأعراف : 126 ] .

وكان إغراقهم انتقاماً من الله لذاته لأنهم جحدوا انفراد الله بالإلاهية ، أو جحدوا إلاهيته أصلاً ، وانتقاماً أيضاً لبني إسرائيل لأن فرعون وقومه ظلموا بني إسرائيل وأذلوهم واستعبدوهم باطلاً .

والإغراقُ : الإلقاء في الماء المستبحر الذي يغمر المُلْقَى فلا يترك له تنفساً ، وهو بيان للانتقام وتفصيل لمجمله ، فالفاء في قوله : { فأغرقناهم } للترتيب الذكري ، وهو عطف مفصّل على مجمل كما في قوله تعالى : { فتوبوا إلى بارئكم فاقتُلوا أنفسكم } [ البقرة : 54 ] .

وحَمَل صاحب « الكشاف » الفعل المعطوف عليه هنا على معنى العزم فيكون المعنى : فأرْدنا الانتقام منهم فأغرقناهم ، وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } في سورة البقرة ( 54 ) .

واليمّ : البحر والنهر العظيم ، قيل هو كلمة عربية . وهو صنيع « الكشاف » إذ جعله مشتقاً من التيمم لأنه يُقصد للمنتفعين به ، وقال بعضْ اللغويين : هو معرب عن السريانية وأصله فيها ( يَمّا ) وقال شَيْدَلَةُ : هو من القبطية ، وقال ابن الجوزي : هو من العبرية ، ولعله موجود في هذه اللغات . ولعل أصله عربي وأخذته لغات أخرى ساميّة من العربية والمراد به هنا بحر القُلْزُم ، المسمى في التوراة بحر سُوف ، وهو البحر الأحمر . وقد أطلق ( اليم ) على نهر النيل في قوله تعالى : { أن اقذفيه في التابوت فاقْذفيه في اليَمّ } [ طه : 39 ] وقوله : { فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليمّ } [ القصص : 7 ] ، فالتعريف في قوله : { اليَمّ } هنا تعريف العهد الذهني عند علماء المعاني المعروف بتعريف الجنس عند النحاة إذ ليس في العبرة اهتمام ببحر مخصوص ولكن بفرد من هذا النوع .

وقد أغرق فرعون وجنده في البحر الأحمر حين لحق بني إسرائيل يريد صدهم عن الخروج من أرض مصر ، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في سورة البقرة وسيأتي تفصيله عند قوله تعالى : { حتى إذا أدركه الغرق } في سورة يونس ( 90 ) .

والباء في بأنهم } للسببية ، أي : أغرقناهم جزاء على تكذيبهم بالآيات .

والغفلة ذهول الذهن عن تذكر شيء ، وتقدمت في قوله تعالى : { وإن كنا عن دراستهم لغافلين } في سورة الأنعام ( 156 ) ، وأريد بها التغافل عن عمد وهو الإعراض عن التفكر في الآيات ، وإباية النظر في دلالتها على صدق موسى ، فإطلاق الغفلة على هذا مجاز ، وهذا تعريض بمشركي العرب في إعراضهم عن التفكر في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالة معجزة القرآن ، فلذلك أعيد التصريح بتسبب الإعراض في غرقهم مع استفادته من التفريع بالفاء في قوله : { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم } تنبيهاً للسامعين للانتقال من القصة إلى العبرة .

وقد صيغ الإخبار عن إعراضهم بصيغة الجملة الاسمية للدلالة على أن هذا الإعراض ثابت لهم ، وراسخ فيهم ، وأنه هو علة التكذيب المصوغغِ خبرُه بصيغة الجملة الفعلية لإفادة تجدده عند تجدد الآيات .