السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

قال تعالى :

{ فانتقمنا منهم } أي : كافأناهم على سوء صنيعهم وأصل الانتقام في اللغة سلب النعمة بالعذاب لأنه تعالى لما كشف عنهم العذاب مرّات فلم يؤمنوا ولم يرجعوا عن كفرهم وبلغوا الأجل الذي أجل لهم انتقم منهم بأن أهلكهم كما قال تعالى : { فأغرقناهم في اليمّ } أي : في البحر الذي لا يدرك قعره ، وقيل : هو لجة البحر ومعظم مائه واشتقاقه من التيمم لأنّ المنتفعين به يقصدونه قال الأزهريّ : ويقع اليمّ على البحر الملح والبحر العذب ويدل على ذلك قوله تعالى : { فاقذفيه في اليمّ } ( طه ، 39 ) والمراد نيل مصر وهو عذب ، وإغراقهم { بأنهم } أي : بسبب أنهم { كذبوا بآياتنا } الدالة على وحدانيتنا وصدق رسولنا { وكانوا عنها } أي : الآيات { غافلين } أي : لا يتدبرونها ، وقيل : الضمير في عنها يرجع للنقمة التي دل عليها قوله تعالى : { انتقمنا } أي : وكانوا عن النقمة قبل حلولها غافلين .

فإن قيل : الغفلة ليست من فعل الإنسان ولا تحصل باختياره فكيف جاء الوعيد على الغفلة أجيب : بأنّ المراد بالغفلة هنا الإعراض عن الآيات وعدم الالتفات إليها فهم أعرضوا عنها حتى صاروا كالغافلين عنها .

فإن قيل : أليس قد ضموا إلى التكذيب والغفلة معاصي كثيرة فكيف يكون الانتقام بهذين دون غيرهما ؟ أجيب : بأنه ليس في بيان أنه تعالى انتقم منهم بهذين دلالة على نفي ما عداهما . قال الرازي : والآية تدل على أنّ الواجب في الآيات النظر فيها فلذلك ذمّهم بأنهم غفلوا عنها وذلك يدل على أنّ التقليد طريق مذموم .