الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

قوله تعالى : { فَانْتَقَمْنَا } : هذه الفاءُ سببيَّة أي تسبِّب عن النكثِ الانتقامُ . ثم إنْ أريد بالانتقام/ نفسُ الإِغراق ، فالفاء الثانية مفسِّرةٌ عند مَنْ يُثْبِتُ لها ذلك ، وإلا كان التقدير : فأرَدْنا الانتقامَ .

قوله : { فِي الْيَمِّ } متعلِّقٌ ب " أَغْرَقْناهم " . واليَمُّ : البحر . والمشهور أنه عربيٌّ . قال ذو الرمة :

داوِيَّةٌ ودُجَى ليلٍ كأنهما *** يَمٌّ تراطَنَ في حافاتِه الرومُ

وقال ابن قتيبة : " إنه البحر بالسُّريانية " . وقيل : بالعبرانيَّة ، والمشهور أنه لا يتقيَّد ببحر خاص " . وقال الهروي في عربيَّته : " واليَمُّ : البحر الذي يقال له إساف ، وفيه غرق فرعون " ، وهذا ليس بجيد لقوله تعالى :

{ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ } [ القصص : 7 ] والمراد به نيلُ مِصْرَ ، وهو غيرُ الذي غَرِق فيه فرعون .

قوله : " بأنهم " الباءُ للسببية أي : أغْرَقْناهم بسبب تكذيبهم بآياتنا ، وكونِهم غافلين عن آياتنا . فالضمير في " عنها " يعودُ على الآيات . وهذا هو الظاهر . وبه قال الزجاج وغيره . وقيل : يجوز أن يكونَ على النقمة المدلولِ عليها بانتقمنا . ويُعْزى هذا لابن عباس ، وكأن القائل بذلك تَخيَّل أن الغفلةَ عن الآيات عُذْرٌ لهم من حيث إن الغفلةَ ليست مِنْ كسب الإِنسان . وقال الجمهور : إنهم تعاطَوا أسبابَ الغفلة فُذُمُّوا عليها كما يُذَمُّ الناسِي على نِسْيانه لتعاطيه أسبابَه .