اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (136)

قوله : " فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ " هذه الفاءُ سببيَّة ، أيْ : تَسَبَّب عن النَّكْثِ الانتقامُ ثم إن أريد بالانتقام نَفْسُ الإغْراق ، فالفاءُ الثَّانية مُفَسِّرةٌ عند مَنْ يُثْبِتُ لها ذلك وإلاَّ كان التقدير : فَأرَدْنَا الانتقام ، والانتقام في اللُّغَةِ : سلب النعمة بالعذابِ .

و " في اليمِّ " متعلق ب " أغْرَقْنَاهُم " ، واليَمّ : البحر ، والمشهور أنَّهُ عربيّ .

قال ذو الرُّمَّة : [ البسيط ]

دَاوِيَّة ودُجَى لَيْلٍ كأنَّهُمَا *** يَمٌّ تراطَنَ في حَافَاتِهَا الرُّومُ{[16752]}

وقال ابْنُ قتيبةَ : أنَّه البَحْرُ بالسُّريانِيَّةِ .

وقيل : بالعبرانيَّة . والمشهور أنه لا يتقيَّد ببحر خاص قال الزمخشري : اليَمّ : البحرُ الذي لا يُدْرَكُ قعره .

وقيل : هو لُجَّة البحر ومعظم مائه .

وقال الهروِيُّ - في " غريبيه " - : واليَمُّ : البَحْرُ الذي يقالُ له : إسَافٌ وفيه غَرِقَ فرعونُ . وهذا ليس بجيد ، لقوله تعالى : { فَأَلْقِيهِ فِي اليم } [ القصص : 7 ] والمرادُ : نيلُ مِصْرَ ، وهو غيرُ الذي غَرِق فيه فرعون .

فصل

قيل : واشتقاقه من التيمم ، وهو القصد ، لأنَّ النَّاسَ يقصدونه .

قوله : " بِأنَّهُمْ " الباء للسببيّة ، أي : أغْرَقْنَاهم بسببِ تكذيبهم بآياتِنَا ، وكونهم عَنْهَا غافلين ، أي : غَافِلينَ عن آياتنا ، فالضَّمِيرُ في عَنْهَا يعودُ على الآيات ، وهذا هو الظَّاهِرُ .

وبه قال الزَّجَّاجُ{[16753]} وغيره .

وقيل : يجوزُ أن يعود على النِّقْمَةِ المدلولِ عليها ب " انتَقَمْنَا " ويُعْزَى هذا لابن عباس ، وكأن القائل بذلك تَخَيَّلَ أنَّ الغفلةَ عن الآيات عُذْرٌ لَهُم من حيثُ إنَّ الغفلة ليست من كسب الإنسان .

وقال الجمهور : إنَّهم تَعَاطَوْا أسبابَ الغَفْلَة ، فَذُمّوا عليها ، كما يُذَمُّ الناس على نِسْيَانه لتعاطيه أسبابه .

فصل


[16752]:ينظر ديوانه 1/410، شرح المفصل لابن يعيش 5/154، البحر 4/363 جامع البيان 13/74، اللسان: رطن، الدر المصون 3/332.
[16753]:ينظر: معاني القرآن للزجاج 2/410.