تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (36)

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } أي : بعيد بعيد ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } .

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنهم قالوا : هَيْهاتَ هَيْهاتَ أي بعيد ما توعدون أيها القوم ، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياء من قبوركم ، يقولون : ذلك غير كائن .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : هَيْهاتَ هَيْهاتَ يقول : بعيد بعيد .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِمَا تُوعَدُونَ قال : يعني البعث .

والعرب تُدخل اللام مع «هيهات » في الاسم الذي يصحبها ، وتنزعها منه ، تقول : هيات لك هيات ، وهيهاتَ ما تبتغي هيهات وإذا أسقطت اللام رفعت الاسم بمعنى هيهات ، كأنه قال : بعيد ما ينبغي لك كما قال جرير :

فهَيْهاتَ هَيْهاتَ العَقِيقُ وَمَنْ بِهِ *** وَهَيْهاتَ خِلّ بالعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ

كأنه قال : العقيق وأهله ، وإنما دخلت اللام مع هيهات في الاسم لأنهم قالوا : «هيهات » أداة غير مأخوذة من فعل ، فأدخلوا معها في الاسم اللام ، كما أدخلوها مع هلمّ لك ، إذ لم تكن مأخوذة من فعل ، فإذا قالوا أقبل ، لم يقولوا لك ، لاحتمال الفعل ضمير الاسم .

واختلف أهل العربية في كيفية الوقف على هيهات ، فكان الكسائي يختار الوقوف فيها بالهاء ، لأنها منصوبة وكان الفرّاء يختار الوقوف عليها بالتاء ، ويقول : من العرب من يخفض التاء ، فدلّ على أنها ليست بهاء التأنيث ، فصارت بمنزلة دَرَاكِ ونَظَارِ وأما نصب التاء فيهما ، فلأنهما أداتان ، فصارتا بمنزلة خمسةَ عَشر . وكان الفراء يقول : إن قيل إن كل واحدة مستغنية بنفسها يجوز الوقوف عليها ، وإن نصبها كنصب قوله : تُمّتَ جلست وبمنزلة قول الشاعر :

ماوِيّ يَارُبّتَما غارةٍ *** شَعْوَاءَ كاللّذْعَةِ بالمِيسَمِ

قال : فنصب «هيهات » بمنزلة هذه الهاء التي في «ربت » ، لأنها دخلت على حرف ، على «ربّ » وعلى «ثم » ، وكانا أداتين ، فلم تغيرها عن أداتهما فنصبا .

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء الأمصار غير أبي جعفر : هَيْهاتَ هَيْهاتَ بفتح التاء فيهما . وقرأ ذلك أبو جعفر : «هَيْهاتِ هَيْهَاتِ » بكسر التاء فيهما . والفتح فيهما هو القراءة عندنا ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (36)

وقوله { هيهات هيهات } استبعاد ، وهذه كلمة لها معنى الفعل ، التقدير بعد كذا ، فطوراً تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أَي بعد ذلك ، ومنه قول جرير : [ الطويل ]

فأيهات أيهات العقيق ومن به . . . وأيهات خل بالعقيق نواصله{[8481]}

وأحياناً يكون الفاعل محذوفاً وذلك عند اللام كهذه الآية ، التقدير بعد الوجود لما توعدون ، ومن حيث كانت هذه اللفظة بمعنى الفعل أشبهت الحروف مثل صه وغيرها ، فلذلك بنيت على الفتح{[8482]} ، وهذه قراءة الجماعة بفتح التاء وهي مفرد سمي به الفعل في الخبر ، أي بعد ، كما أَن شتان اسم افترق وعرف تسمية الفعل أَن يكون في الأمر كصه وحسن{[8483]} ، وقرأ أبو جعفرٍ «هيهاتِ هيهاتِ » بكسر التاء غير منونة ، وقرأها عيسى بن عمر وأَبو حيوة بخلاف عنه «هيهاتٍ هيهاتٍ » بتاء مكسورة منونة وهي على هاتين القراءتين عند سيبويه جمع «هيهات » وكان حقها أَن تكون «هيهاتي » إلا أن ضعفها لم يقتض إظهار الياء فقال سيبويه رحمه الله هي مثل بيضات أَراد في أَنها جمع فظن بعض النحاة أَنه أَراد في اتفاق المفرد فقال واحد «هيهات » هيهة وليس كما قال ، وتنوين عيسى على إرادة التنكير وترك التعريف ، وقرأ عيسى الهمداني «هيهاتْ » بتاء ساكنة وهي على هذا الجماعة لا مفرد ، وقرأها كذلك الأعرج ، ورويت عن أَبي عمرو وقرأ أبو حيوة «هيهاتٌ » بتاء مرفوعة منونة وهذا على أَنه اسم معرب مستقل وخبره { توعدون } أي البعد لوعدكم ، كما تقول النجح لسعيكم{[8484]} ، وروي عن أَبي حيوة «هيهاتُ » بالرفع دون تنوين ، وقرأ خالد بن إلياس «هيهاتاً هيهاتاً » بالنصب والتنوين والوقف على «هيهات » من حيث هي مبنية بالهاء ، ومن قرأ بكسر التاء وقف بالتاء ، وفي اللفظة لغات «هيها وهيهات وهيهان وأيهات وهيهات وهيهاتاً وهيهاء »{[8485]} قال رؤبة ، «هيهاه » من منخرق «هيهاوه »{[8486]} ، وقرأ ابن أَبي عبلة «هيهات هيهات ما توعدون » بغير لام .


[8481]:البيت لجرير بن عطية الخطفي كما قال المؤلف، وهو من قصيدة له يرد على الفرزدق فيما كان بينهما، والرواية في الديوان: فأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات وصل بالعقيق تواصله والبيت في اللسان (هيه)، والرواية فيه: فهيهات هيهات العقيق وأهله وهيهات خل بالعقيق نحاوله والعقيق: واد بالعالية. قال في اللسان: "وهيهات: كلمة معناها البعد، والتاء مفتوحة مثل كيف وأصلها هاء، وناس يكسرونها على كل حال بمنزلة نون التثنية".
[8482]:مذهب البصريين أن هذه الألفاظ (هيهات، وصه، ومه) وأمثالها أسماء حقيقة ونابت عن الفعل في لفظه فهي بمعناه، وهب المعروفة بأنها "أسماء الأفعال"، ومذهب الكوفيين أنها أفعال حقيقة، وهذه الأسماء لا موضع لها من الإعراب، وهيهات اسم فعل ماض بمعنى بعد، كما أن "شتان" بمعنى افتراق، و "مه" اسم فعل أمر بمعنى: انكفف عن فعل هذا الشيء.
[8483]:"صه": اسم فعل أمر بمعنى اسكت، و "هس": اسم فعل أمر فيه زجر للغنم كما أن "عدس" زجر للبغل، و "هلا" للجواد.
[8484]:قال أبو الفتح ابن جني: "من قال: هيهاة هيهاة" فإنه يكتبها بالهاء لأن ذلك يحتمل أمرين: أحدهما أم يكون أخلصها اسما معربا فيه معنى البعد ولم يجعله اسما للفعل فيبنيه كما بنى الناس غيره، وقوله تعالى: {لما توعدون} خبر عنه، كأنه قال: البعد لوعدكم، كما يقول القائل: الخلف لموعدك. والأمر الآخر أن تكون مبنية على الضم، كما بنيت تكتب بالتاء.
[8485]:حكى بعض العلماء في "هيهات" ستا وثلاثين لغة: هيهاه، وأيهاه، وهيهات، وأيهات، وهيهان، وأيهان، وكل واحدة من هذه الست مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحد منونة وغير منونة، بل حكى بعضهم زيادة على ذلك: هيهاك، وأيهاك، وأيهاء، وأيهاه، وهيهاء، وهيهاه. (حاشية الصبان على شرح الأشموني).
[8486]:هذا البيت من قصيدة لرؤبة بن العجاج يصف المفازة والسراب، يقول في مطلعها: وبلد عامية أعماؤه كأن لون أرضه سماؤه والرواية في الديوان "في منخرق" بدلا من "من منخرق"، قال أبو الفتح: "كأنه قال: بعد بعده، وهو كقولهم: جن جنونه، وضل ضلاله، وقولهم: موت مائت، وشعر شاعر على طريقة المبالغة، وهيهاؤه إذا فعلا له، كزلزاله وقلقاله، والهمزة فيه منقلبة عن ياء؛ لأنه من باب حاحيت وعاعيت". والبيت في اللسان (هيه)، وقد نسبه للعجاج، وذكر بعده عن ابن سيده أن ابن جني أنشده ولم يفسره، ثم قال ابن سيده: "ولا أدري ما معنى "بهاؤه". وقد رأيت ما نقلناه عن ابن جني من توضيح للمراد بهيهاؤه. وبهذا فسره ابن بري أيضا.