معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (36)

وقوله : { هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ 36 } لو لم تكن في ( ما ) اللام كان صَوَباً . ودخول اللام عربيّ . ومثله في الكلام هَيْهات لكَ ، وهيهات أنت مِنا ، وهيهات لأرضك . قال الشاعر :

فأيْهات أيهات العقِيقُ ومَن به *** وأيهات وصل بالعقيق نُواصله

فمن يدخل اللام رَفَع الاسم . ومعنى هيهات بعيد كأنه قال : بعيد ( ما توعدونَ ) وبَعيد العقيق وأهله . ومن أدخل اللام قال هَيْهات أداة ليست بمأخوذة من فعلٍ بمنزلة بعيد وقريب ، فأُدخلت لها اللام كما يقال : هَلُمَّ لك إذ لم تكن مأخوذة من فعلٍ . فإذا قالوا : أَقْبِل لم يقولوا : أَقْبِل لك ؛ لأنه يحتمل ضَمير الاسم .

فإذا وقفت على هيهات وقفت بالتاء في كلتيهما لأنَّ من العرب من يخفض التاء ، فدلّ ذلك على أنها ليست بهاء التأنيث فصَارت بمنزلة دَرَاكِ ونَظَارِ . ومنهم من يقف على الهاء لأنَّ مِن شأنِهِ نصبَها فيجعلها كالهاء . والنصب الذي فيهما أنهما أداتان جُمِعتَا فصارتَا بمنزلة خمسة عشر . وإن قلت إنّ كل واحدة مستغنية بنفسها يجوز الوقوف عليها فإن نصبها كنصب قوله : قُمت ثُمَّتَ جلست ، وبمنزلة قول الشاعر :

ما وِيّ بل رُبَّتما غارةٍ *** شَعْوَاء كالَلذْعة بالمِيسَم

فنصْب هَيْهات بمنزلة هذه الهاء التي في رُبَّت ؛ لأنها دخلت على رُبّ وعلى ثُمَّ . وكانا أداتين ، فلم يغيّرهما عن أداتهما فنُصبا . قال الفراء : واختار الكسائي الهاء ، وأَنا أقف على التاء .