يقول تعالى مخبرا عن نوح ، عليه السلام ، أنه أنهى إليه ، وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء ، أنه مع البيان المتقدم ذكره ، والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى : أنهم عصوه وكذبوه وخالفوه ، واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ، ومتع بمال وأولاد ، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام ؛ ولهذا قال : { وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا } قُرئ { وَوُلْدُهُ } بالضم وبالفتح ، وكلاهما متقارب .
وقوله : قالَ نُوحٌ رَبّ إنّهُمْ عَصَوْنِي فخالفوا أمري ، وردّوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد واتّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إلاّ خَسارا يقول : واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك ، ممن كثر ماله وولده ، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خسارا ، بُعدا من الله ، وذهابا عن مَحَجّة الطريق .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَوَلَدُهُ فقرأته عامة قرّاء المدينة : وَوَلَدُهُ بفتح الواو واللام ، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بضم الواو وسكون اللام ، وكذلك كلّ ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن . وقرأ أبو عمرو كلّ ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللام في غير هذا الحرف الواحد في سورة نوح ، فإنه كان يضمّ الواو منه .
والصواب من القول عندنا في ذلك ، إن كلّ هذه القراءات قراءات معروفات ، متقاربات المعاني ، فبأي ذلك قرأ القارىء فمصيب .
المعنى فلما لم يطيعوا ويئس نوح من إيمانهم قال نوح : { رب إنهم عصوني } واتبعوا أشرافهم وغواتهم ، فعبر عنهم بأن أموالهم وأولادهم زادتهم { خساراً } أي خسراناً ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية خارجة عنه «ووُلْده » بضم الواو وسكون اللام ، وهي قراءة ابن الزبير والحسن والأعرج والنخعي ومجاهد ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر «ووَلَده » بفتح اللام والواو وهما بمعنى واحد كبُخْل وبَخَل وهي قراءة أبي عبد الرحمن والحسن وأبي رجاء وابن وثاب وأبي جعفر وشيبة ، وقرأ «ووِلده » بكسر الواو والجحدري وزر والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق وطلحة ، وقال أبو عمرو : «وُلْد » بضم الواو وسكون اللام العشيرة والقوم ، وقال أبو حاتم يمكن أن يكون الوُلد بضم الواو جمع الولد وذلك كخشب وخشب ، وقد قال حسان بن ثابت : [ الكامل ]
ما بكر آمنة المبارك بكرها . . . من ولد محصنة بسعد الأسعد{[11349]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.