تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ نُوحٞ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا} (21)

الآية21 : وقوله تعالى : { قال نوح رب إنهم عصوني } أي عصوني بما أمرتهم به أو في ما دعوتهم إليه .

وقوله تعالى : { واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا } يشبه أن يكون المتبوعون ، هم الذين كثرت أموالهم وحواشيهم ، واستتبعوا من دونهم ، فتبعوهم ، ولم يتبعوا نوحا عليه السلام وقد كان نوح يدعوهم إلى إتباعه ، فأخبر أنهم لم يتبعوه ، وإنما تبعوا من كثرت أمواله وأولاده ومواشيه/600 أ/ فتكون هذه الآية في الأتباع : أنهم اتبعوا أجلتهم ورؤساءهم ، ليست في رؤسائهم . وما تقدم من الآيات في أجلتهم في دعاء نوح عليه السلام إياهم إلى التوحيد وغيره .

ويحتمل ان تكون هذه الآية في الأجلة والضعفة جميعا ، فيكون قوله تعالى : { واتبعوا } أي اتبعوا من تقدمهم من أهل الثروة والغنى والذين وسعت عليهم الدنيا ، وبسطت لهم ، ظنا منهم أنهم أحق بالله تعالى وأقرب إليه في المنزلة .

والذي حملهم على هذا ، هو أنهم لا يرون أحدا في الشاهد ، ترك صلة وليه ، ووصل عدوه ، فيرون أنه إذا بسطت على رؤسائهم الدنيا ، وسع الله تعالى عليهم ، وضيق على هؤلاء لأن{[22209]} أولئك أقرب منزلة وأعلى حالا ، وأنهم هم الأولياء ، وهم لا يؤمنون بالآخرة وثوابها ، فكانوا يزعمون أنه يوفر الجزاء على الأولياء والمحسنين في الدنيا ، وزعموا أن من وسع عليه الدنيا ، فهو أحق أن يكون وليا لله تعالى حين{[22210]} وصل إليه الجزاء فيها . فهذا الظن هو الذي حملهم على الإتباع{[22211]} .

وقوله تعالى : { إلا خسارا } أي بوارا وهلاكا لذلك المتبوع ، فكانت تلك النعم التي ظنوا أنهم أكرموا بها بصنيعهم سببا لخسارتهم .

وقوله تعالى : { واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا } كقوله : { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا }[ التوبة : 55 ] .

ثم قد بينا تأويل شكايته إلى الله تعالى من قومه . فهذه الآية وتلك الآيات في معنى تأويل الشكاية إلى الله تعالى واحد .


[22209]:في الأصل و م:أن.
[22210]:في الأصل و م: حيث.
[22211]:في الأصل و م: إتباع.