تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء ، وهن الخوالف ، بعد خروج الجيش ، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس ، وإذا كان أَمْنٌ كانوا أكثر الناس كلامًا ، كما قال [ الله ]{[1]} تعالى ، عنهم في الآية الأخرى :

{ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } [ الأحزاب : 19 ] أي : علت ألسنتهم بالكلام الحاد القوي في الأمن ، وفي الحرب أجبن شيء ، وكما قال الشاعر{[2]} :

أفي السّلم أعيارًا جفَاءً وَغلْظَةً *** وَفي الحَرْب أشباهُ النّسَاءِ العَوارِكِ{[3]}

وقال تعالى{[4]} في الآية الأخرى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ ] [ الآية ]{[5]} [ محمد : 20 - 22 ] } {[6]} وقوله : { وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ } أي : بسبب{[7]} نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله ، { فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ } أي : لا يفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه ، ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

القول في تأويل قوله تعالى : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } .

يقول تعالى ذكره : رضي هؤلاء المنافقون الذين إذا قيل لهم : آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله ، استأذنك أهل الغنى منهم في التخلف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء الله من المشركين ، أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهنّ فرض الجهاد ، فهن قعود في منازلهنّ وبيوتهنّ . وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ يقول : وختم الله على قلوب هؤلاء المنافقين ، فهم لا يفقهون عن الله مواعظه فيتعظون بها . وقد بيّنا معنى الطبع وكيف الختم على القلوب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخوَالِفِ قال : والخوالف : هنّ النساء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخوَالِفِ يعني : النساء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبوية أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قال : النساء .

قال : حدثنا المحاربيّ ، عن جويبر ، عن الضحاك : مع الخوالف قال : مع النساء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ أي مع النساء .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قالا : النساء .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ قال : مع النساء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

وقوله : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } الآية ، تقريع وإظهار شنعة كما يقال على وجه التعيير رضيت يا فلان ، و { الخوالف } النساء جمع خالفة ، هذا قول جمهور المفسرين ، وقال أبو جعفر النحاس يقال للرجل الذي لا خير فيه خالفة ، فهذا جمعه بحسب اللفظ والمراد أخسة الناس وأخالفهم ، وقال النضر بن شميل في كتاب النقاش : { الخوالف } من لا خير فيه ، وقالت فرقة { الخوالف } جمع خالف فهو جار مجرى فوارس ونواكس وهوالك ، { وطبع } في هذه الآية مستعار ، ولما كان الطبع على الصوان والكتاب مانعاً منه وحفاظاً عليه شبه القلب الذي قد غشيه الكفر والضلال حتى منع الإيمان والهدى منه بالصوان المطبوع عليه ، ومن هذا استعارة القفل والكنان للقلب ، و { لا يفقهون } معناه لا يفهمون .