تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

يقول تعالى مخبرا عن أهوال يوم القيامة ، وأول ذلك نفخة الفزع ، ثم يعقبها نفخة الصعق حين يُصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم بعدها نفخة القيام لرب العالمين والبعث والنشور ، وهي هذه النفخة . وقد أكدها هاهنا بأنها واحدة لأن أمر الله لا يخالف ولا يمانع ، ولا يحتاج إلى تكرار وتأكيد .

وقال الربيع : هي النفخة الأخيرة . والظاهر ما قلناه ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكّتَا دَكّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } .

يقول تعالى ذكره : فإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ إسرافيل نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وهي النفخة الأولى ، وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً يقول : فزلزلتا زلزلة واحدة .

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً قال : صارت غبارا .

وقيل : فَدُكّتا وقد ذكر قبل الجبال والأرض ، وهي جماع ، ولم يقل : فدككن ، لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد ، كما قال الشاعر :

هُمَا سَيّدَانِ يَزْعُمانِ وإنّما *** يَسُودانِنا إنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا

وكما قيل : أنّ السّمَوَاتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها تفخيما لشأنها وتنبيها على مكانها عاد إلى شرحها وإنما حسن إسناد الفعل إلى المصدرلتقيده وحسن تذكيره للفصل وقرىء نفخة بالنصب على إسناد الفعل إلى الجار والمجرور والمراد بها النفخة الأولى التي عندها خراب العالم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

الفاء لتفريع ما بعدها على التهويل الذي صُدرت به السورة من قوله : { الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقّة } [ الحاقة : 13 ] فعلم أنه تهويل لأمر العذاب الذي هُدد به المشركون من أمثال ما نال أمثالهم في الدنيا . ومن عذاب الآخرة الذي ينتظرهم ، فلما أتم تهديدهم بعذاب الدنيا فرع عليه إنذارهم بعذاب الآخرة الذي يحل عند القارعة التي كذبوا بها كما كذبت بها ثمود وعاد ، فحصل من هذا بيان للقارعة بأنها ساعة البعثثِ وهي الواقعة .

و { الصور } : قرن ثَوْر يقعر ويجعل في داخله سِداد يسُد بعض فراغه حتى إذا نفَخ فيه نافخ انضغط الهواء فصوَّت صوتاً قوياً ، وكانت الجنود تتخذه لنداء بعضهم بعضاً عند إرادة النفير أو الهجوم ، وتقدم عند قوله تعالى : { وله المُلْك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام ( 73 ) .

والنفخ في الصور : عبارة عن أمر التكوين بإحياء الأجساد للبعث مُثِّل الإِحياء بنداء طائفة الجند المكلفة بالأبواق لنداء بقية الجيش حيث لا يتأخر جندي عن الحضور إلى موضع المناداة ، وقد يكون للملك الموكَّل موجود يصوّت صوتاً مؤثّراً .

و { نفخة } : مصدر نفخ مقترن بهاء دالة على المرة ، أي الوحدة فهو في الأصل مفعول مطلق ، أو تقع على النيابة عن الفاعل للعلم بأن فاعل النفخ الملك الموكّل بالنفخ في الصور وهو إسرافيل .

ووصفت { نفخة } ب { واحدة } تأكيد لإِفادة الوحدة من صيغة الفعلة تنصيصاً على الوحدة المفادة من التاء .

والتنصيص على هذا للتنبيه على التعجيب من تأثر جميع الأجساد البشرية بنفخة واحدة دون تكرير تعجيباً عن عظيم قدرة الله ونفوذ أمره لأن سياق الكلام من مبدأ السورة تهويل يوم القيامة فَتعداد أهواله مقصود ، ولأجل القصد إليه هنا لم يذكر وصف واحد في قوله تعالى : { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دَعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } في سورة الروم ( 25 ) .

فحصل من ذكر نفحة واحدة تأكيد معنى النفخ وتأكيد معنى الوحدة ، وهذا يبين ما روي عن صاحب « الكشاف » في تقريره بلفظٍ مجمل نقله الطيبي ، فليس المراد بوصفها ب { واحدة } أنها غير مُتَبعة بثانية فقد جاء في آيات أخرى أنهما نفختان ، بل المراد أنها غير محتاج حصولُ المراد منها إلى تكررها كناية عن سرعة وقوع الواقعة ، أي يوم الواقعة .

وأما ذكر كلمة { نفخة } فليتأتى إجراء وصف الوحدة عليها فذِكر { نفخة } تبعٌ غير مسوق له الكلام فتكون هذه النفخة هي الأولى وهي المؤذنة بانقراض الدنيا ثم تقع النفخة الثانية التي تكون عند بعث الأموات .