اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

قوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } .

لما حكى هذه القصص الثلاثة ونبَّه بها على ثبوت القدرة والحكمة للصانع ، فحينئذ ثبت بثبوت القدرة إمكان القيامة ، ويثبت القدرة إمكان وقوع الحشر ، ولما ثبت ذلك شرع سبحانه في تفاصيل أحوال القيامة ، فذكر أولاً مقدماتها ، فقال : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } .

قوله : «واحدةٌ » تأكيد ، و «نَفْخَةٌ » مصدر قام مقام الفاعل .

وقال ابنُ عطية : «لما نُعِتَ صحَّ رفعهُ » انتهى .

ولو لم يُنعتْ لصحَّ رفعه ؛ لأنه مصدر مختص لدلالته على الوحدة ، والممنوع عند البصريين إنما هو إقامة المبهمِ ، نحو : «ضَرَبَ » .

والعامةُ على الرفع فيهما .

وقرأ أبو السّمال : بنصبهما{[57761]} ، كأنه أقام الجارَّ مقام الفاعلِ ، فترك المصدر على أصله ، ولم يؤنث الفعل وهو : «نُفِخَ » ؛ لأن التأنيث مجازي وحسَّنه الفصل انتهى .

فصل في النفخة الأولى

قال ابن عباس : هي النفخة الأولى لقيام الساعة ، فلا يبقى أحد إلا مات{[57762]} .

قال ابن الخطيب{[57763]} : لأن عندها يحصل خرابُ العالمِ .

فإن قيل : لم قال بعد ذلك { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } والعرض إنما يكون عند النفخة الثانية ؟ .

قلت : جعل اليوم اسماً للحين الواسع الذي تقع فيه النَّفختان ، والصَّعقة والنشور ، والوقوف ، والحساب ، فكذلك { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } كقوله : «جئتُه عام كذا » وإنَّما كان مجيئُك في وقتٍ واحدٍ من أوقاته .

وقيل : إنَّ هذه النَّفخة هي الأخيرةُ .

وقال : { نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } ، أي : لا تثنَّى .

قال الأخفشُ : ووقع الفعلُ على النَّفخة ، إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع ، فقيل : نفخة .


[57761]:ينظر: المحرر الوجيز 5/359، والبحر المحيط 8/317، والدر المصون 6/363.
[57762]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/171).
[57763]:ينظر: الفخر الرازي 3/95.