تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

الآيات 13 و 14 و 15 وقوله تعالى : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } { فيومئذ وقعت الواقعة } فكأنهم سألوا متى تكون الواقعة والحاقة والقارعة ؟

فأخبر عن ذلك بقوله : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } { فيومئذ وقت الواقعة } .

فجوابهم في قوله : { فيومئذ وقعت الواقعة } ثم بينا أن الأسئلة كلها خرجت عن الأحوال التي تكون في ذلك الوقت لما لا فائدة لهم في تبيين وقته ، ولا حاجة إلى معرفته ، وإنما الفائدة في تبيين أحواله لما يقع بها الترغيب والترهيب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { نفخة واحدة } فجاز{[21908]} أن يكون على حقيقة النفخ ، واحتمل أن يكون على [ قدر ] {[21909]} نفخة واحدة فتكون فائدته ذكر سهولة أمر البعث على الله تعالى ، لأن قدر النفخة مما يسهل على المرء في الشاهد ، ولا يتعذر .

وجائز أن يكون ذكر النفخ لما أن الروح يدخل في أجسادهم وينتشر فيها ، وذلك عمل النفخ ، لأن الريح إذا نفخت في وعاء سرت فيه ، وانتشرت ، فكنى عن دخول الروح في الأجساد {[21910]} بالنفخ ، إذ ذلك عمله ، وكنى بالنفخ عن خروج الروح من الأجساد لهذا . وعلى هذا تأويل قوله : { فنفخنا فيه من روحنا } [ التحريم 12 ] ليس على حقيقة النفخ ، ولكن على عمل الروح فيها عمل النفخ ، فقيل ذلك والله أعلم .

وقوله تعالى : { في الصور } قيل : هو القرن ، ينفخ فيه النفخة الأولى ، فيصعق { من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } ثم ينفخ فيه مرة { أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] .

ومنهم من يقول : أي نفخ الروح في صور الخلق . لكن جميع الصورة الصور بنصب الواو ، فلا يحتمل أن يكون المراد منه جمع الصورة ، لكن يجوز أن يكون الله تعالى جعل نفخ الصور سببا لإفنائهم وإحيائهم ، لا أنه يعجزه شيء عن الإفناء والإحياء ما لم ينفخ في الصور ، لكنه جعله سببا لنوع الحكمة والمصلحة أو لمحنة الملك والابتلاء على ما عرف من أنواع المحن في الملائكة من إنزال الأمطار وتسيير السحاب وجعلهم الموكلين على أعمال بني آدم وغير ذلك .

وقوله تعالى : { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } كسرتا كسرة واحدة ، وقيل هدمتا هدمة واحدة ، وقال بعضهم : زلزلتا زلزلة واحدة ، فكأنه يقول ، والله أعلم : تتزلزل الأرض ، فتقذف ما في بطنها من الغسول ، وتخرج ما فيها من الجواهر التي ليست منها بتلك الدكة [ وتخرج ]{[21911]} أصول الجبال منها ، ثم يجعله الله تعالى { كئيبا مهيلا } [ المزمل : 14 ] ، ثم يعمل عليه الريح ، فيجعله { هباء منثورا } [ الفرقان 23 ] ويريه من لينه { وتكون الجبال كالعهن } [ المعارج : 9 والقارعة : 5 ] ثم يسير مثل السحاب ، فيقع في شعاب الأرض والأودية والأماكن المختلفة ، فتصير الأرض كما قال تعالى : { فيذرها قاعا صفصفا } { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } [ طه : 106و 107 ] .

وهكذا الريح إذا عملت على شيء [ تقع عليه ] {[21912]} تفرقه في النواحي ، وتسوي بين الشقوق ، وتبسطه على وجه الأرض .

وقوله عز وجل { وحملت الأرض } ليس أنها تحمل من مكان ، ولكن تدخل هذه في هذه ، وتضرب على هذه بالدكة ، فتصير كأنها حملت لذلك .

وإذا كان كذلك فقد وقعت الواقعة يومئذ . وهذا على اختلاف الأوقات ليكون معنى الآيات التي جاءت في الجبال على السواء ، والله أعلم .

وقيل في آيات أخر بيان آخر : بيان تقديم فناء الجبال قبل الأرض بقوله : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا } { فيذرها قاعا صفصفا } [ طه : 105و 106 ] أي يذر الأرض قاعا صفصفا وغيره {[21913]} من الآيات مما يدل على تقديم فناء الجبال قبلها .

فأما أن يكون معنى تبديل الأرض تغييرها عن الحالة التي هي عليها اليوم من انهدام البنيان واستواء الأودية وإزالة الجبال على ما جاء في الأخبار ، فسمي لذلك تبديلا كما يقال لمن تغير عن الحالة الحسنة إلى غيرها : تبدلت ، يراد أي تغيرت عن حالتك .

فعلى ذلك معنى الآية ، أي تتكسر {[21914]}الجبال وتتغير حالة الأرض في دفعة واحدة ، أو يكون في الآية إخبار عن شدة الفزع في ذلك اليوم : أن بدكة واحدة تفنى الجبال ، وإن كان إفناء الجبال قبل إفناء الأرض ، ليس أنهما تفنيان جميعا بدفعة واحدة / 592- أ / لكن بالدكة الواحدة تهلك الجبال والأرض ، فيكون المراد بيان شدة اليوم وهوله لا بيان ترتيب فناء الأرض [ البعض ]{[21915]} على البعض ، والله اعلم .

وقوله تعالى : { فيومئذ وقعت الواقعة } وهو على الحساب والجزاء كقوله { { إن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] وأدخلت الهاء في أسماء القيامة لشأنها .


[21908]:في الأصل وم: فجائز
[21909]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل وم
[21910]:في الأصل وم: الجسد
[21911]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[21912]:في الأصل: ويقع: في م: ويقع عليه.
[21913]:في الأصل وم: وغيرها.
[21914]:في الأصل وم: صعوبتها.
[21915]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.