تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

وقوله : { فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا } أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } أي : على صورة إنسان تام كامل .

قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جُرَيْج{[18731]} ووهب بن مُنَبِّه ، والسُّدِّي ، في قوله : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } يعني : جبريل ، عليه السلام .

وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : { نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] .

وقال أبو جعفر الرازي{[18732]} ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويًّا ، أي : روح عيسى ، فحملت الذي خاطبها وحل في فيها .

وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيلي .


[18731]:في ت: "وابن جرير".
[18732]:في أ: "وقال أبو جعفر الرازي عن أبيه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

وقوله : فاتّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجابا يقول : فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس . وذُكر عن ابن عباس ، أنها صارت بمكان يلي المشرق ، لأن الله أظلها بالشمس ، وجعل لها منها حجابا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : انْتَبَذَتْ مِنْ أهْلِها مَكانا شَرْقِيّا قال : مكانا أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم .

وقال غيره في ذلك ما .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فاتّخَذَتْ مِنْ دونِهِمْ حِجابا من الجدران .

وقوله : فأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا يقول تعالى ذكره : فأرسلنا إليها حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، واتخذت من دونهم حجابا : جبريل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا قال : أرسل إليها فيما ذُكر لنا جبريل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه ، قال : وجدت عندها جبريل قد مثله الله بشرا سويا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : فأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا قال : جبريل .

حدثني محمد بن سهل ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل بن أخي وهب ، قال : سمعت وهب بن منبه ، قال : أرسل الله جبريل إلى مريم ، فَمَثَلَ لها بشرا سويا .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : فلما طهرت ، يعني مريم من حيضها ، إذا هي برجل معها ، وهي قوله : فأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا فَتَمَثّلَ لَها بَشَرا سَوِيّا يقول تعالى ذكره : فتشبه لها في صورة آدميّ سويّ الخلق منهم ، يعني في صورة رجل من بني آدم معتدل الخلق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

{ فاتخذت من دونهم حجابا } سترا . { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } قيل قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض متحجبة بشيء يسترها -وكانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت وتعود إليه إذا طهرت- فبينما هي في مغتسلها أتاها جبريل عليه السلام متمثلا بصورة شاب أمرد سوي الخلق لتستأنس بكلامه ، ولعله لتهييج شهوتها به فتنحدر نطفتها إلى رحمها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

وقال بعض الناس «الحجاب » هي اتخذته لتستتر به عن الناس لعبادتها . فقال السدي كان من جدرات ، وقيل من ثياب ، وقال بعض المفسرين اتخذت المكان بشرقي المحراب ، و «الروح » جبريل ، وقيل عيسى ، حكى الزجاج القولين . فمن قال إنه جبريل قدر الكلام فتمثل هو لها . ومن قال إنه عيسى قدر الكلام فتمثل الملك لها ، قال النقاش ومن قرأ «روحنّا » مشددة النون جعله اسم ملك من الملائكة ولم أر هذه القراءة لغيره . واختلف الناس في نبوة مريم فقيل كانت نبية بهذا الإرسال والمحاورة للملك ، وقيل لم تكن نبية وإنما كملها مثال بشر ورؤيتها لملك ، كما رئي جبريل في صفة دحية وفي سؤاله عن الإسلام والأول أظهر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

اتخاذ الحجاب : جعل شيء يَحجب عن الناس . قيل : إنها احتجبت لتغتسل وقيل لتمتشط .

والروح : الملك ، لأن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلاَّ على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشراً .

والتمثل : تكلف المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .

و { بَشَرَاً } حال من ضمير ( تمثل ) ، وهو حال على معنى التشبيه البليغ .

والبشر : الإنسان . قال تعالى : { إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] ، أي خالق آدم عليه السلام .

والسويُّ : المُسَوّى ، أي التام الخلق . وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة .