تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

وقوله : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } أي : ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه ، { فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه ، على سبيل العيب والتنقص{[24036]} لهم ، ومَنْ أكثر مَنْ يدخل في هذا الوعيد الكفرةُ بالله ورسوله{[24037]} ، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد بَرَّأهم الله منه ، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم ؛ فإن الله ، عز وجل ، قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم ، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم{[24038]} ، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا ، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب{[24039]} يذمون الممدوحين ، ويمدحون المذمومين .

وقال{[24040]} أبو داود : حدثنا القَعْنَبِيّ ، حدثنا عبد العزيز - يعني : ابن محمد - عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أنه قيل : يا رسول الله ، ما الغيبة ؟ قال : " ذكرُكَ أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه " .

وهكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . قال : حسن صحيح{[24041]} .

وقد قال{[24042]} ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن عمار بن أنس ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيُّ الربا أربى عند الله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أربى الربا عند الله استحلالُ عرض امرئ مسلم " ، ثم قرأ : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }{[24043]} .


[24036]:- في ت: "والنقص".
[24037]:- في أ: "ورسله".
[24038]:- في أ: "وينتقصونهم".
[24039]:- في ت: "قلوبهم منكوسة".
[24040]:- في ت: "وروى".
[24041]:- سنن أبي داود برقم (4874) وسنن الترمذي برقم (1934).
[24042]:- في ت: "وروى"
[24043]:- ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (6711) من طريق يحيى بن واضح عن عمار بن أنس ، ب
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

وقوله : وَالّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ كان مجاهد يوجه معنى قوله يُؤْذُونَ إلى يقفون . ذكر الرواية بذلك عنه :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالّذِينَ يُؤْذُونَ قال : يقفون .

فمعنى الكلام على ما قال مجاهد : والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات ، ويعيبونهم طلبا لشينهم بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا يقول : بغير ما عملوا ، كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : بغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا قال عملوا .

حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : قرأ ابن عمر : وَالّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِينا قال : فكيف إذا أوذي بالمعروف ، فذلك يضاعف له العذاب .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، عن الأعمش ، عن ثور ، عن ابن عمر وَالّذِينَ يُؤْذون المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا قال : كيف بالذي يأتي إليهم المعروف .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالّذِينَ يُؤْذونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبيِنا فإياكم وأذى المؤمن ، فإن الله يحوطه ، ويغضب له .

وقوله : فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانا وإثْما مُبِينا يقول : فقد احتملوا زورا وكذبا وفرية شنيعة وبهتان : أفحش الكذب وإثْما مُبِينا يقول : وإثما يبينُ لسامعه أنه إثم وزور .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } بغير جناية استحقوا بها الإيذاء

{ فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } ظاهرا . قيل إنها نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا رضي الله عنه ، وقيل في أهل الإفك ، وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

وإذاية المؤمنين والمؤمنات هي أيضاً بالأفعال والأقوال القبيحة والبهتان والكذب الفاحش المختلف ، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً لأبيّ بن كعب : إني قرأت هذه الآية البارحة ففزعت منها { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } الآية .

والله إني لأضربهم وأنهرهم ، فقال له : اي يا أمير المؤمنين لست منهم إنما أنت معلم ومقوم ، وذكر أبو حاتم أن عمر بن الخطاب قرأ «إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات » ثم قال يا أبي كيف تقرأ هذه الآية فقرأها كما قال عمر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

ألحقت حُرمة المؤمنين بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم تنويهاً بشأنهم ، وذكروا على حدة للإِشارة إلى نزول رتبتهم عن رتبة الرسول عليه الصلاة والسلام . وهذا من الاستطراد معترض بين أحكام حُرمة النبي صلى الله عليه وسلم وآداب أزواجه وبناته والمؤمنات .

وعطف { المؤمنات } على { المؤمنين } للتصريح بمساواة الحكم وإن كان ذلك معلوماً من الشريعة ، لوَزْع المؤذين عن أذى المؤمنات لأنهن جانب ضعيف بخلاف الرجال فقد يزعهم عنهم اتقاء غضبهم وثأرهم لأنفسهم .

والمراد بالأذى : أذى القول بقرينة قوله : { فقد احتملوا بهتاناً } لأن البهتان من أنواع الأقوال وذلك تحقير لأقوالهم ، وأتبع ذلك التحقير بأنه إثم مبين . والمراد بالمبين العظيم القوي ، أي جُرماً من أشد الجرم ، وهو وعيد بالعقاب عليه .

وضمير { اكتسبوا } عائد إلى المؤمنين والمؤمنات على سبيل التغليب ، والمجرور في موضع الحال . وهذا الحال لزيادة تشنيع ذلك الأذى بأنه ظلم وكذب .

وليس المراد بالحال تقييد الحكم حتى يكون مفهومه جواز أذى المؤمنين والمؤمنات بما اكتسبوا ، أي أن يُسبوا بعمل ذميم اكتسبوه لأن الجزاء على ذلك ليس موكولاً لعموم الناس ولكنه موكول إلى ولاة الأمور كما قال تعالى : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما } [ النساء : 16 ] . وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة وقال : « هي أن تذكر أخاك بما يكره . فقيل : وإن كان حقاً . قال : إن كان غير حق فذلك البهتان » فأما تغيير المنكر فلا يصحبه أذى .

وما صْدَق الموصول في قوله : { ما اكتسبوا } سيّئاً ، أي بغير ما اكتسبوا من سيّىء . ومعنى { احتملوا } كَلَّفوا أنفسهم حَملاً ، وذلك تمثيل للبهتان بحمل ثقيل على صاحبه ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : { ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمَل بهتاناً وإثماً مبيناً } في سورة النساء ( 112 ) .