الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

أذية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة ، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق . وهذه الآية نظير الآية التي في النساء : " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " {[12912]} [ النساء : 112 ] كما قال هنا . وقد قيل : إن من الأذية تعييره بحسب مذموم ، أو حرفة مذمومة ، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه ؛ لأن أذاه في الجملة حرام . وقد ميز الله تعالى بين أذاه وأذى الرسول وأذى المؤمنين فجعل الأول كفرا والثاني كبيرة ، فقال في أذى المؤمنين : " فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا " وقد بيناه . وروي أن عمر بن الخطاب قال لأبي بن كعب : قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا " الآية ، والله إني لأضربهم وأنهرهم . فقال له أبي : يا أمير المؤمنين ، لست منهم ، إنما أنت معلم ومقوم . وقد قال : إن سبب نزول هذه الآية أن عمر رأى جارية من الأنصار فضربها وكره ما رأى من زينتها ، فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان ، فأنزل الله هذه الآية . وقيل : نزلت في علي ، فإن المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه . رضي الله عنه .


[12912]:راجع ج 5 ص 380.