فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما كتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } والذين يذكرون المؤمن أو المؤمنة بما ليس فيهم ، وينسبون إليهم ما هم منه براء ، ويرمونهم بغير ما عملوه فقد استحقوا أن يبوءوا بسوء المصير ، وعذاب السعير ، اختلف العلماء في أذية الله بماذا تكون ؟ فقال الجمهور من العلماء : معناه بالكفر ، ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه ، ووصفه بما لا يليق به ، كقول اليهود لعنهم الله : )وقالت اليهود يد الله مغلولة . . ( {[3669]} ، والنصارى : ) . . المسيح ابن الله . . ( {[3670]} ، والمشركون : الملائكة بنات الله ، والأصنام شركاؤه ، وفي صحيح البخاري : قال الله تعالى : " كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك " .

روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " . . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال الله تبارك وتعالى : " يؤذيني ابن آدم يقول ياخيبة الدهر فلا يقولن أحدكم ياخيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما " . . . . .

{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا . . } أذية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة ، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلف ، وهذه الآية نظير الآية التي في النساء{[3671]} : )ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا( {[3672]} كما قال هنا ، وقد قيل : إن من الأذية تعييره بحسب مذموم ، أو حرفة مذمومة ، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه ، لأن أذاه في الجملة حرام ، وقد ميز الله تعال بين أذاه وأذى الرسول ، وأذى المؤمنين ، فجعل الأول كفرا ، والثاني كبيرة ، . . . وروى أن عمر بن الخطاب قال لأبي بن كعب : قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا . . } الآية ، والله إني لأضربهم وأنهرهم ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين ! لست منهم ، إنما أنت معلم ومقوم ، وقد قيل : إن سبب نزول هذه الآية أن عمر رأى جارية من الأنصار فضربها وكره ما رأى من زينتها ، فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل : نزلت في علي ، فإن المنافقين كانوا يؤذونه يكذبون عليه ، رضي الله عنه-{[3673]} .


[3669]:سورة المائدة. من الآية 64.
[3670]:سورة التوبة. من الآية 30.
[3671]:أي في سورة النساء.
[3672]:الآية رقم 112.
[3673]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.