فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } بوجه من وجوه الأذى من قول ، أو فعل ومعنى قوله : { بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } إنه لم يكن ذلك بسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به وقيل : يقعون فيه ويرمونهم بغير جرم ، فأما الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبوه مما يوجب عليه حدا أو تعزيرا أو نحوهما فذلك حق أثبته الشرع ، وأمر أمرنا الله به وندبنا إليه وهكذا إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة أو ضرب فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرمة على أي وجه كان ما لم يجاوز ما شرعه الله ثم أخبر عما لهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقال :

{ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا } أي ظاهرا واضحا لا شك في كونه من البهتان والإثم ، وقد تقدم بيان حقيقة البهتان وحقيقة الإثم . قيل : إنها نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه . وقيل نزلت في شأن عائشة وقيل نزلت في الزناة كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء وهن كارهات ، وعن الفضيل : لا يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات ولما فرغ سبحانه من الزجر لمن يؤذي رسوله والمؤمنين والمؤمنات من عباده ، أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأمر بعض من ناله الأذى ببعض ما يدفع ما يقع عليه منه فقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ( 59 )