الآية 58 وقوله تعالى : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } أي ينمون فيهم .
وقال بعضهم : [ قوله ]( {[16817]} ) { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } هم الذين قذفوا عائشة بصفوان ؛ آذوا رسول الله في زوجته عائشة حين قذفوها( {[16818]} ) ، وهي بريئة مما [ قذفوها به ]( {[16819]} ) وقوله : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } صفوان وعائشة .
وقال بعضهم : نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فعلى هذا عذابهم في الدنيا الجلد ، وفي الآخرة النار .
وجائز أن يكون هذا الوعيد في قاذف كل مؤمن ومؤمنة بغير ما اكتسب به ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن الذين يؤذون الله ورسوله } إضافة الأذى إلى الله على إرادة رسوله خاصة ، لأن الله لا يجوز أن يقال إنه يتأذى بشيء ، أو يؤذيه شيء ، لأن الأذى ضرر يلحق ، والله ، يتعالى عن أن يلحقه ضرر أو نفع ، بل هو القاهر الغالب القادر الغني بذاته . ويكون المراد بإضافة الأذى إليه رسوله خاصة على ما ذكرنا في قوله : { يخادعون الله } [ البقرة : 9 ] أي يخادعون رسوله ، أو يخادعون أولياءه ، لأن الله لا يخادع [ وهو ]( {[16820]} ) كقوله : { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] أي تنصروا دين الله ينصركم ، أو إن تنصروا رسوله وأولياءه ينصركم . وأمثال ذلك كثير في القرآن ؛ نسب ذلك إلى نفسه على إرادة أوليائه . فعلى ذلك هذا ، والله أعلم ، وبالله العصمة والتوفيق ، إلا أن يريد بالأذى ؛ أعني ما ذكر من أذى الله ، المعصية ، فهو جائز ، وكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، [ أنه ]( {[16821]} ) قال : ( من آذاني فقد آذى الله ) [ الترمذي 3862 ] أي من عصاني فقد عصى الله .
وفي الآية بيان وقوع المراد على الاختلاف والتفاوت من لفظ واحد ، لأنه ذكر ههنا أذى رسول الله ، وعقب الوعيد الشديد من اللعن والعذاب في الدنيا والآخرة ، وذكر في الآية التي قبلها حين( {[16822]} ) قال : { إن ذلكم كان يؤذي النبي } . . { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } [ الأحزاب : 53 ] وما ذكر من الأذى .
ثم لا شك أن المفهوم من هذا الأذى المذكور في هذه الآية غير المفهوم من الأذى المذكور في قوله : { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } وأن أحدهما من المؤمنين والآخر من الكفار ، وإن كان ظاهر اللفظ في المخرج واحدا .
وكذلك المفهوم من الظلم الذي ذكر في قوله : { ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا } [ الفرقان : 19 ] غير المفهوم من الظلم الذي قال آدم [ وحواء ]( {[16823]} ) : { ربنا ظلمنا أنفسنا } [ الأعراف : 23 ] .
والمفهوم من الضلال الذي قال موسى : { فعلتها إذا وأنا من الضالين } [ الشعراء : 20 ] غير المفهوم من ضلال فرعون وسائر الكفرة .
ومثل هذا كثير ، لا يجب أن نفهم من أمثال هذا شيئا واحدا ، وإن كان لفظا واحدا ، ولكن على اختلاف الموقع .
وفي الآية دلالة عصمة رسول الله وألا يكون منه ما يستحق الأذى بحال . وقد يكون من المؤمنين والمؤمنات ما يستوجبون الأذى ، ويستحقونه حين( {[16824]} ) ذكر الأذى لرسول الله مطلقا مرسلا غير مقيد بشيء حين( {[16825]} ) قال : { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله } [ الأحزاب : 57 ] وذكر أذى المؤمنين مقيدا بشرط الكسب حين( {[16826]} ) قال : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } .
فدل شرط الكسب على أنهم قد يكتسبون ما يستحقون الأذى ، ويكون منهم ما يستوجبون ذلك .
وأما الرسول فلا يكون منه ما يستحق ذلك ، أو يوجب له . ولا قوة إلا بالله .
واللعن هو الطرد في اللغة ؛ طردهم من رحمته ، وبعدهم عنها .
والبهتان : قيل : هو أن يقال ما ليس فيه [ وقوله ]( {[16827]} ) { فبهت الذي كفر } [ البقرة : 258 ] قيل : تحير ، وانقطع حجاجه .
وقال بعضهم : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } نزل في قوم همهم الزنا بالإماء ، وكانت الحرائر يومئذ يخرجن بالليل [ فيطلعن ]( {[16828]} ) على أذى الإماء . فكان ذلك يؤذيهن( {[16829]} ) ، ويتأذين بذلك جدا ، فشكون( {[16830]} ) ذلك إلى رسول الله في ذلك ، فنزل : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } .
ثم أمرن عند /432-أ/ ذلك بإدناء الجلباب وإرخائه عليهن ليعرفن أنهن حرائر ، ونهين أن يتشبهن بالإماء لئلا يؤذين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.