{ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } أي : المدبر لهذه الأمور الذي هو شهيد على أعمال عباده ، يرفع إليه جليلها وحقيرها ، وصغيرها وكبيرها - هو { الْعَزِيزُ } الذي قد عَزَّ كلَّ شيء فقهره وغلبه ، ودانت له العباد والرقاب ، { الرَّحِيمُ } بعباده المؤمنين . فهو عزيز في رحمته ، رحيم في عزته [ وهذا هو الكمال : العزة مع الرحمة ، والرحمة مع العزة ، فهو رحيم بلا ذل ] . {[23060]}
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ * الّذِيَ أَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مّآءٍ مّهِينٍ } .
يقول تعالى ذكره : هذا الذي يفعل ما وصفت لكم في هذه الاَيات ، هو عالم الغيب ، يعني عالم ما يغيب عن أبصاركم أيها الناس ، فلا تبصرونه مما تكنه الصدور ، وتخفيه النفوس ، وما لم يكن بعد مما هو كائن ، والشهادة : يعني ما شاهدته الأبصار فأبصرته وعاينته وما هو موجود العَزِيزُ يقول : الشديد في انتقامه ممن كفر به وأشرك معه غيره ، وكذّب رسله الرّحِيمُ بمن تاب من ضلالته ، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله ، والعمل بطاعته ، أن يعذّبه بعد التوبة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذلك} الذي ذكر من هذه الأشياء {عالم الغيب والشهادة العزيز} في ملكه {الرحيم} بخلقه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: هذا الذي يفعل ما وصفت لكم في هذه الآيات، هو عالم الغيب، يعني عالم ما يغيب عن أبصاركم أيها الناس، فلا تبصرونه مما تكنه الصدور، وتخفيه النفوس، وما لم يكن بعد مما هو كائن، "والشهادة": يعني ما شاهدته الأبصار فأبصرته وعاينته وما هو موجود "العَزِيزُ "يقول: الشديد في انتقامه ممن كفر به وأشرك معه غيره، وكذّب رسله، "الرّحِيمُ" بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله، والعمل بطاعته، أن يعذّبه بعد التوبة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{الْعَزِيزُ} مع المطيعين {الرَّحيمُ} على العاصين؛ {الْعَزِيزُ} للمطيعين ليكْسِرَ صولتَهم {الرَّحِيمُ} للعاصين ليرفعَ زَلَّتَهم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قالت فرقة أراد ب {الغيب} الآخرة وب {الشهادة} الدنيا. وقيل أراد ب {الغيب} ما غاب عن المخلوقين وب {الشهادة} ما شوهد من الأشياء فكأنه حصر بهذه الألفاظ جميع الأشياء.
ثم بين أن هذا الملك العظيم النافذ الأمر غير غافل؛ فإن الملك إذا كان آمرا ناهيا يطاع في أمره ونهيه، ولكن يكون غافلا لا يكون مهيبا عظيما كما يكون مع ذلك خبيرا يقظا لا تخفى عليه أمور الممالك والمماليك فقال: {ذلك عالم الغيب والشهادة} ولما ذكر من قبل عالم الأشباح بقوله:
{خلق السماوات} وعالم الأرواح بقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} قال: {عالم الغيب} يعلم ما في الأرواح {والشهادة} يعلم ما في الأجسام أو نقول قال: {عالم الغيب} إشارة إلى ما لم يكن بعد {والشهادة} إشارة إلى ما وجد وكان وقدم العلم بالغيب لأنه أقوى وأشد إنباء عن كمال العلم، ثم قال تعالى: {العزيز الرحيم} لما بين أنه عالم ذكر أنه عزيز قادر على الانتقام من الكفرة رحيم واسع الرحمة على البررة.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وفي الكلام معنى التهديد والوعيد، أي أخلصوا أفعالكم وأقوالكم فإني أجازي عليها.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{العزيز} الغالب على أمره، {الرحيم} على العباد في تدبيره، وفيه إيماء بأنه سبحانه يراعي المصالح تفضلا وإحسانا.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}: المدبر لهذه الأمور الذي هو شهيد على أعمال عباده، يرفع إليه جليلها وحقيرها، وصغيرها وكبيرها، عزيز في رحمته، رحيم في عزته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{العزيز} الذي يعجز كل شيء ولا يعجزه شيء، ولما كان ربما قدح متعنت في عزته بإهمال العصاة قال: {الرحيم} أي الذي خص أهل التكليف من عباده بالرحمة في إنزال الكتب على ألسنة الرسل، وأبان لهم ما ترضاه الإلهية، بعد أن عم جميع الخلائق بصفة الرحمانية بعد الإيجاد من الإعدام بالبر والإنعام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومناسبة وصفه تعالى ب {العزيز الرحيم} عقب ما تقدم أنه خلق الخلق بمحض قدرته بدون معين، فالعزة وهي الاستغناء عن الغير ظاهرة، وأنه خلقهم على أحوال فيها لطف بهم فهو رحيم بهم فيما خلقهم إذ جعل أمور حياتهم ملائمة لهم فيها نعيم لهم وجنبهم الآلام فيها.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.