تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ} (191)

191

ولهذا قال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي : أتشركون{[12525]} به من المعبودات ما لا يخلق شيئًا ولا يستطيع ذلك ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ الحج : 73 ، 74 ] أخبر تعالى أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها ، ما استطاعوا خلق ذبابة ، بل لو أستَلبتهم{[12526]} الذبابة شيئا من حَقير المطاعم{[12527]} وطارت ، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها ، فمن هذه صفته وحاله ، كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى : { لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي : بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل : { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * [ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ]{[12528]} } [ الصافات : 95 ، 96 ]


[12525]:في م، أ: "أيشركون".
[12526]:في د: "سلبتهم".
[12527]:في د، م: "الطعام".
[12528]:زيادة من د، ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ} (191)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : أيشركون في عبادة الله ، فيعبدون معه ما لا يخلق شيئا والله يخلقها وينشئها ، وإنما العبادة الخالصة للخالق لا للمخلوق ؟

وكان ابن زيد يقول في ذلك بما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : وُلد لاَدم وحوّاء ولد ، فسمّياه عبد الله ، فأتاهما إبليس فقال : ما سميتما يا آدم ويا حوّاء ابنكما ؟ قال : وكان وُلد لهما قبل ذلك ولد ، فسمياه عبد الله ، فمات فقالا : سميناه عبد الله . فقال إبليس : أتظنان أن الله تارك عبده عندكما ؟ لا والله ليذهبن به كما ذهب بالاَخر ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما ؟ فسمياه عبد شمس قال : فذلك قول الله تبارك وتعالى : أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ الشمس تخلق شيئا حتى يكون لها عبد ؟ إنما هي مخلوقة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خَدَعَهُما مَرّتَيْنِ : خَدَعَهُما فِي الجَنّةِ ، وَخَدَعَهُما فِي الأرْضِ » .

وقيل : وَهُمْ يُخْلَقُونَ ، فأخرج مكنيهم مخرج مكنّى بني آدم ، وقد قال : أيُشْرِكُونَ ما فأخرج ذكرهم ب «ما » لا ب «من » مخرج الخبر عن غير بني آدم ، لأن الذي كانوا يعبدونه إنما كان حجرا أو خشبا أو نجاسا ، أو بعض الأشياء التي يخبر عنها ب «ما » لا ب «من » ، فقيل لذلك «ما » ، ثم قيل : «وهم » ، فأخرجت كنايتهم مخرج كناية بني آدم ، لأن الخبر عنها بتعظيم المشركين إياها نظير الخبر عن تعظيم الناس بعضهم بعضا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ} (191)

{ أيُشركون ما لا يخلق شيئا وهم يُخلقون } يعني الأصنام . وقيل : لما حملت حواء أتاهما إبليس في صورة رجل فقال لها : ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج ، فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال : إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث ، وكان اسمه حارثا بين الملائكة فتقبلت ، فلما ولدت سمياه عبد الحارث . وأمثال ذلك لا تليق بالأنبياء ويحتمل أن يكون الخطاب في { خلقكم } لآل قصي من قريش ، فإنهم خلقوا من نفس قصي وكان له زوج من جنسه عربية قرشية وطلبا من الله الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم : عبد مناف ، وعبد شمس ، وعبد قصي ، وعبد الدار . ويكون الضمير في { يشركون } لهما ولأعقابهما المقتدين بهما . وقرأ نافع وأبو بكر " شركا " أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك وهم الشركاء ، وهم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ} (191)

وقرأ نافع والحسن وأبو جعفر وأبو عمرو وعاصم «عما يشركون أيشركون » بالياء من تحت فيهما ، وقرأ أبو عبد الرحمن «عما تشركون » بالتاء من فوق «أتشركون مالا يخلق » الآية ، وروى بعض من قال إن الآيات في آدم وحواء أن إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله فقال : إن شئت أن يعيش لك الولد فسمه عبد شمس ، فولد له ولد فسماه كذلك وإياه عنى بقوله { أيشركون مالا يخلق شيئاً } ، { وهم يخلقون } على هذا عائد على آدم وحواء والابن المسمى عبد شمس ، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وإياها أراد بقوله { ما لا يخلق } ، وعبر عنها بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها ، و { يخلقون } معناه ينحتون ويصنعون ، ويحتمل على قراءة «يشركون » بالياء من تحت أني كون المعنى وهؤلاء المشركون يخلقون ، أي فكان قولهم أن يعتبروا بأنهم مخلوقون فيجعلون إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئاً .