قوله تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون }
اعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه ليس المراد بقوله : { فتعالى الله عما يشركون } ما ذكره من قصة إبليس إذ لو كان المراد ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكلية ، وكان ذلك غاية الفساد في النظم والترتيب ، بل المراد ما ذكرناه في سائر الأجوبة من أن المقصود من الآية السابقة الرد على عبدة الأوثان . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : المقصود من هذه الآية إقامة الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية فقوله : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } معناه أيعبدون ما لا يقدر على أن يخلق شيئا ؟ وهم يخلقون . أي وهم مخلوقون يعني الأصنام .
فإن قيل : كيف وحد { يخلق } ثم جمع فقال : { وهم يخلقون } وأيضا فكيف ذكر الواو والنون في جمع غير الناس ؟
والجواب عن الأول : أن لفظ { ما } تقع على الواحد والاثنين والجمع ، فهذه من صيغ الوحدان يحسب ظاهر لفظها . ومحتملة للجمع فالله تعالى اعتبر الجهتين فوحد قوله : { يخلق } رعاية لحكم ظاهر اللفظ وجمع قوله : { وهم يخلقون } رعاية لجانب المعنى .
والجواب عن الثاني : وهو أن الجمع بالواو والنون في غير من يعقل كيف يجوز ؟ فنقول : لما اعتقد عابدوها أنها تعقل وتميز فورد هذا اللفظ بناء على ما يعتقدونه ويتصورونه ، ونظيره قوله تعالى : { وكل في فلك يسبحون } وقوله : { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } وقوله : { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } .
المسألة الثانية : قوله : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } احتج أصحابنا بهذه الآية على أن العبد غير موجد ولا خالق لأفعاله ، قالوا : لأنه تعالى طعن في إلهية الأجسام بسبب أنها لا تخلق شيئا وهذا الطعن إنما يتم لو قلنا إن بتقدير أنها كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلهيتها ، وهذا يقتضي أن كل من كان خالقا كان إلها ، فلو كان العبد خالقا لأفعال نفسه كان إلها ولما كان ذلك باطلا ، علمنا أن العبد غير خالق لأفعال نفسه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.