اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ} (191)

قوله : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } .

هذه الآيةُ من أقوى الدَّلائل على أنَّهُ ليس المراد بقوله تعالى : { فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ } ما ذكره في قصَّة إبليس إذ لو كان المرادُ ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكليَّة ، وكان ذلك النَّظْمُ في غاية الفسادِ ، بل المرادُ ما ذكرناه في الأجوبة من أنَّ المقصود من الآية السابقة الرَّدُّ على عبدة الأوثان ؛ لأنه أراد ههنا إقامة الحجَّة على أنَّ الأوثان لا تصلحُ للإلهيَّةِ فقوله : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي : أيعبدون ما لا يقدرُ على أن يخلق شيئاً ؟ وهم يُخلقون ، يعني الأصنام .

قوله : " وهُمْ يُخْلقُونَ " يجوزُ أن يعود الضميرُ على ما من حيث المعنى وعبَّر عن ما وهو مفرد بضمير الجمع ؛ لأنَّ لفظة ما تقع على الواحدِ والاثنينِ والجمع فهي من صيغ الواحد بحسب لفظها ، ومحتملة للجمع فاللَّهُ تعالى اعتبر الجهتين ؛ فوحَّد قوله يَخْلُقُ لظاهر اللفظ وجمع قوله : " وهُمْ يُخْلَقُونَ " للمعنى ، والمرادُ بها الأصنام وعبر عنهم ب " هُم " وجمعهم بالواو والنون ، لاعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه في العقلاء أو لأنهم مختلطون بمن عُبد من العقلاء كالمسيح وعزير ، أو يعودُ على الكُفَّارِ ، أي : والكفار مخلوقون فلو تفكَّروا في ذلك لآمنوا .

فصل

دلَّت هذه الآية على أنَّ العبد لا يخلق أفعاله ؛ لأنَّهُ تعالى طعن في إلاهية الأصنام لكونها لا تخلق شيئاً وهذا الطَّعن لا يتمُّ إلاَّ إذا قلنا بأنَّها لو كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلاهيتها ، وهذا يقتضي أنَّ من كان خالقاً كان إلهاً ، فلو كان العبدُ خالقاً لأفعال نفسه كان إلهاً ، ولمَّا كان ذلك باطلاً علمنا فساد هذا القول .