تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يَكۡلَؤُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ بَلۡ هُمۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِم مُّعۡرِضُونَ} (42)

ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار ، وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام ، فقال : { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ } ؟

أي : بدل الرحمن بمعني غيره كما قال الشاعر{[19638]} :

جَارية لَمْ تَلْبَس المُرقَّقا *** وَلَم تَذق منَ البُقول الفُسْتُقا

أي : لم تذق بدل البقول الفستق .

وقوله تعالى : { بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ } أي : لا يعترفون{[19639]} بنعمه عليهم وإحسانه إليهم ، بل يعرضون عن آياته وآلائه ،


[19638]:- هو أبو نخيلة يعمر بن حزن ، والبيت في اللسان مادة (فسق) وصدره : دسته لم تأكل المرققاوقد حمل صاحب اللسان قوله بأنه ظن الفستق من البقول.
[19639]:- في ف ، أ : "لا يعرفون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يَكۡلَؤُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ بَلۡ هُمۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِم مُّعۡرِضُونَ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلّيْلِ وَالنّهَارِ مِنَ الرّحْمََنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مّعْرِضُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب ، القائلين : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين : مَنْ يَكْلَؤُكُمْ أيّها القَوْمُ ، يقول : من يحفظكم ويحرسكم بالليل إذا نمتم ، وبالنهار إذا تصرّفتم من الرحمن ؟ يقول : من أمر الرحمن إن نزل بكم ، ومن عذابه إن حلّ بكم . وترك ذكر «الأمر » وقيل «من الرحمن » اجتزاء بمعرفة السامعين لمعناه من ذكره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ باللّيْلِ والنّهارِ مِنَ الرّحْمَنِ قال : يحرسكم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ باللّيْلِ والنّهارِ مِنَ الرّحْمَنِ قل من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن .

يقال منه : كلأت القوم : إذا حرستهم ، أكلؤهم كما قال ابن هَرْمة :

إنّ سُلَيْمَى وَاللّهُ يَكْلَؤُها *** ضَنّتْ بِشَيْءٍ ما كانَ يَرْزَؤُها

قوله : بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِمْ مُعْرِضُونَ وقوله بل : تحقيق لجحد قد عرفه المخاطبون بهذا الكلام ، وإن لم يكن مذكورا في هذا الموضع ظاهرا . ومعنى الكلام : وما لهم أن لا يعلموا أنه لا كالىء لهم من أمر الله إذا هو حلّ بهم ليلاً أو نهارا ، بل هم عن ذكر مواعظ ربهم وحججه التي احتجّ بها عليهم معرضون لا يتدبرون ذلك فلا يعتبرون به ، جهلاً منهم وسفها .