تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين : إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال ، أنهم مُتّعوا في الحياة الدنيا ، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه ، فاعتقدوا أنهم على شيء .

ثم قال واعظًا لهم : { أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } اختلف المفسرون في معناه ، وقد أسلفناه في سورة " الرعد " ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الاحقاف : 27 ] .

وقال الحسن البصري : يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر .

والمعنى : أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه ، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة ، وإنجائه لعباده المؤمنين ؛ ولهذا قال : { أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } يعني : بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ مَتّعْنَا هََؤُلآءِ وَآبَآءَهُمْ حَتّىَ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ما لهؤلاء المشركين من آلهة تمنعهم من دوننا ، ولا جار يجيرهم من عذابنا ، إذا نحن أردنا عذابهم ، فاتكلوا على ذلك ، وعصوا رسلنا اتكالاً منهم على ذلك ولكنا متّعناهم بهذه الحياة الدنيا وآباءهم من قبلهم حتى طال عليهم العمر ، وهم على كفرهم مقيمون ، لا تأتيهم منا واعظة من عذاب ولا زاجرة من عقاب على كفرهم وخلافهم أمرنا وعبادتهم الأوثان والأصنام ، فنسوا عهدنا وجهلوا موقع نعمتنا عليهم ، ولم يعرفوا موضع الشكر . وقوله : أفَلا يَرَوْنَ أنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها يقول تعالى ذكره : أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله السائلو محمد صلى الله عليه وسلم الاَيات المستعجلو بالعذاب ، أنا نأتي الأرض نخرّبها من نواحيها بقهرنا أهلها ، وغَلَبَتِنَاهم ، وإجلائهم عنها ، وقتلهم بالسيوف ، فيعتبروا بذلك ويتعظوا به ، ويحذروا منا أن ننزل من بأسنا بهم نحو الذي قد أنزلنا بمن فعلنا ذلك به من أهل الأطراف ؟ وقد تقدم ذكر القائلين بقولنا هذا ومخالفيه بالروايات عنهم في سورة الرعد بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : أفَهُمُ الغالِبُونَ يقول تبارك وتعالى : أفهؤلاء المشركون المستعجلو محمد بالعذاب الغالبونا ، وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرضين ؟ ليس ذلك كذلك ، بل نحن الغالبون . وإنما هذا تقريع من الله تعالى لهؤلاء المشركين به بجهلهم ، يقول : أفيظنون أنهم يغلبون محمدا ويقهرونه ، وقد قهر من ناوأه من أهل أطراف الأرض غيرهم ؟ كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفَهُمُ الغالِبُونَ يقول : ليسوا بغالبين ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الغالب .