قوله تعالى : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم } الآية{[28485]} لما بين أن الكفار في الآخرة { لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار } بسائر ما وصفهم{[28486]} به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة ، فقال لرسوله : " قُلْ " لهؤلاء الكفار الذين يستهزئون ويغترون بما هم عليه { مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار } وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه : من ينصرك مني ؟ وهل لك مخلص{[28487]} ؟
والكلاءة : الحفظ ، أي يحفظكم بالليل والنهار { مِنَ الرحمن } إن نزل بكم عذابه . يقال : كَلأَهُ الله يَكْلَؤُهُ كِلاَءَةٌ بالكسر كذا ضبطه الجوهري{[28488]} فهو كالئ ومكلوء .
قال ابن{[28489]} هرمة{[28490]} :
3717- إنَّ سُلَيْمَى وَاللهُ يَكْلَؤُهَا *** ضَنَّتْ بِشَيءٍ مَا كَانَ يَزْرَؤُهَا{[28491]}
واكْتَلأْتُ منه : احترست ، ومنه سُمِّيَ النبات كلأ{[28492]} ، لأنَّ به تقوم بنية البهائم وتحرس . ويقال : بلغ الله بك أكلأ العمر . والمُكَلأُ موضع يحفظ فيه السفن{[28493]} . وفي الحديث : «نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِئ بَالكَالِئ{[28494]} » أي : بيع الدين بالدين كأنَّ كُلاًّ من رب الدينين بكلأ الآخر أي : يراقبه .
( وقال ابن عباس : المعنى : مَنْ يمنعكم من عذاب الرحمن{[28495]} .
وقرأ الزهري وابن القعقاع{[28496]} «يَكْلُوكُمْ » بضمة خفية دون همز{[28497]} .
وحكى الكسائي والفراء «يَكْلَوْكُمْ » بفتح اللام وسكون الواو{[28498]} .
قال شهاب الدين : ولم أعرفها قراءة . وهو قريب من لغة من يخفف أكلت الكلأ على الكلو وقفاً{[28499]} إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف{[28500]} ){[28501]} .
قوله : «مِنَ الرَّحمنِ » متعلق ب «يَكْلَؤُكُمْ » على حذف مضاف أي من أمر الرحمن أو بأسه كقوله : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله }{[28502]} {[28503]} . «وبِالّلَيْلِ«بمعنى في الليل{[28504]} ، وإنما ذكر الليل والنهار ، لأن كل واحد من الوقتين آفات تختص به ، والمعنى : من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في{[28505]} معاشكم{[28506]} .
وخص هاهنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل أنت الكالئ يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم }{[28507]} . فخص اسم الكريم تلقيناً{[28508]} . قوله : { بَلْ هُمْ } إضراب عما تضمنه الكلام الأول من النفي ، إذ التقدير : ليس لهم كالئ ولا مانع غير الرحمن{[28509]} . والمراد ب «ذِكْرِ رَبِّهِمْ » القرآن ومواعظ الله «مُعْرِضُونَ » لا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالئ لهم سواه ، ويتركوا عبادة الأصنام التي لا تحفظهم ولا تنعم عليهم{[28510]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.