تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (72)

{ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ } أي : كذبتم وأدبرتم عن الطاعة ، { فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ } أي : لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا ، { إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي : وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلام لله عز وجل ، والإسلام هو دين [ جميع ]{[14333]} الأنبياء من أولهم إلى آخرهم ، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم ، كما قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [ المائدة : 48 ] . قال ابن عباس : سبيلا وسنة . فهذا نوح يقول : { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ النمل : 91 ] ، وقال تعالى عن إبراهيم الخليل : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ البقرة : 131 ، 132 ] ، وقال يوسف : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] . وَقَالَ مُوسَى { يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } [ يونس : 84 ] . وقالت{[14334]} السحرة : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } [ الأعراف : 126 ] . وقالت بلْقيس : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ النمل : 44 ] . وقال [ الله ]{[14335]} تعالى : { إِنَّا أَنزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } [ المائدة : 44 ] ، وقال تعالى : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } [ المائدة : 111 ] وقال خاتم الرسل وسيد البشر : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 162 ، 163 ] أي : من هذه الأمة ؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه : " نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات ، ديننا واحد " {[14336]} أي : وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت شرائعنا ، وذلك معنى قوله : " أولاد علات " ، وهم : الإخوة من أمهات شتى والأب واحد .


[14333]:- زيادة من ت ، أ.
[14334]:- في ت ، أ : "وقال".
[14335]:- زيادة من ت ، أ.
[14336]:- رواه البخاري في صحيحه برقم (3443) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.