اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (72)

قوله : { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن قولي ، وقُبُول نُصْحِي ، { فَمَا سَأَلْتُكُمْ } على تبليغ الرِّسالة والدَّعوة { مِّنْ أَجْرٍ } جعل وعوض ، { إِنْ أَجْرِيَ } : ما أجري وثوابي ، { إِلاَّ عَلَى الله } .

قال المفسِّرُون : وهذا إشارةٌ إلى أنَّه ما أخذ منهم مالاً على دعواهُم إلى دين الله ، وكُلَّما كان الإنسانُ فارغاً من الطَّمع ، كان قوله أقوى تأثيراً في القلب .

قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر : وهو أنَّه - عليه الصلاة والسلام - بيَّن أنه لا يخافُ منهم بوجهٍ من الوجوه ، وذلك لأنَّ الخوف إنَّما يحصل بأحد شيئين : إمَّا بإيصال الشَّر ، أو بقطع المنافع ، فبيَّن فيما تقدَّم أنه لا يخافُ شرَّهُم ، وبيَّن في هذه الآية أنَّه لا يخاف منهم بسبب أن يقطعُوا عنه خيراً ؛ لأنَّه ما أخذ منهم شيئاً ، فكان يخافُ أن يقطعوا منه خيراً ، ثم قال : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين } وفيه قولان :

الأول : أنكم سواء قبلتم دين الإسلام ، أو لم تقبلوا ، فأنا مأمورٌ بأن أكون على دين الإسلام .

الثاني : أنِّي مأمورٌ بالاستسلام لكلِّ ما يصل إليَّ لأجل هذه الدَّعوة ، وهذا الوجهُ أليق بهذا الموضع ؛ لأنَّه لمَّا قال اقضُوا إليَّ بيَّن أنَّه مأمورٌ بالاستسلام لكلِّ ما يصل إليه .