مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (72)

وأما قوله تعالى : { فإن توليتم فما سألتكم من أجر } فقال المفسرون : هذا إشارة إلى أنه ما أخذ منهم مالا على دعوتهم إلى دين الله تعالى . ومتى كان الإنسان فارغا من الطمع كان قوله أقوى تأثيرا في القلب . وعندي فيه وجه آخر وهو أن يقال : إنه عليه السلام بين أنه لا يخاف منهم بوجه من الوجوه وذلك لأن الخوف إنما يحصل بأحد شيئين . إما بإيصال الشر أو بقطع المنافع ، فبين فيما تقدم أنه لا يخاف شرهم وبين بهذه الآية أنه لا يخاف منهم بسبب أن يقطعوا عنه خيرا ، لأنه ما أخذ منهم شيئا فكان يخاف أن يقطعوا منه خيرا .

ثم قال : { إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } وفيه قولان : الأول : أنكم سواء قبلتم دين الإسلام أو لم تقبلوا ، فأنا مأمور بأن أكون على دين الإسلام . والثاني : أني مأمور بالاستسلام لكل ما يصل إلي لأجل هذه الدعوة . وهذا الوجه أليق بهذا الموضع ، لأنه لما قال : { ثم اقضوا إلى } بين لهم أنه مأمور بالاستسلام لكل ما يصل إليه في هذا الباب ، والله أعلم .