تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ} (89)

فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } أي : ضعيف .

فأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو أسامة ، حدثني هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة{[25011]} ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات الله ، قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وقوله { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } [ الأنبياء : 62 ] ، وقوله في سارة : هي أختي " {[25012]} فهو حديث مخرج في الصحاح{[25013]} والسنن من طرق{[25014]} ، ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ، حاشا وكلا وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزا ، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني ، كما جاء في الحديث : " إن [ في ]{[25015]} المعاريض لمندوحة عن الكذب " {[25016]}

وقال{[25017]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نَضْرَة{[25018]} ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال : " ما منها كلمة إلا ما حمل بها عن دين الله تعالى ، فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وقال { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } ، وقال للملك حين أراد المرأة : هي أختي " {[25019]} .

قال سفيان في قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } يعني : طعين . وكانوا يفرون من المطعون ، فأراد أن يخلو بآلهتهم . وكذا قال العوفي عن ابن عباس : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } ، فقالوا له وهو في بيت آلهتهم : اخرج . فقال : إني مطعون ، فتركوه مخافة الطاعون .

وقال قتادة عن سعيد بن المسيب : رأى نجما طلع فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } كابد نبي الله عن دينه{[25020]} { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } .

وقال آخرون : فقال{[25021]} : { إِنِّي سَقِيمٌ } بالنسبة إلى ما يستقبل ، يعني : مرض الموت .

وقيل : أراد { إِنِّي سَقِيمٌ } أي : مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله عز وجل .

وقال الحسن البصري : خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم ، فأرادوه على الخروج ، فاضطجع على ظهره وقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها . رواه ابن أبي حاتم . ولهذا قال تعالى : { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ }


[25011]:- في ت: "فأما الحديث الذي رواه البخاري وأهل السنن عن أبي هريرة"
[25012]:- تفسير الطبري (23/45) في السنن الكبرى برقم (8374) من طريق حماد بن أسامة به.
[25013]:- في ت: "الصحيح".
[25014]:- جاء من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: رواه البخاري في صحيحه برقم (5084) زمسلم في صحيحه برقم (2371) من طريق جرير بن حازم به، ورواه البخاري في صحيحه برقم (3358) من طريق حماد بن زيد به. وجاء من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: رواه الترمذي في السنن برقم (3166) من طريق محمد بن إسحاق به، ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (8375) من طريق شعيب بن أبي حمزة به.
[25015]:- زيادة من ت، س، أ.
[25016]:- (2) رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/199) من طريق داود بن الزبرقان عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين مرفوعا. ورواه أيضا من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن مطرف عن عمران بن الحصين موقوفا وقال: "هذا هو الصحيح موقوفا".
[25017]:- (3) في ت: "وروى".
[25018]:- في ت: "بإسناده".
[25019]:- ورواه الترمذي في السنن برقم (3148) حدثنا ابن أبي عمر عن سفيان به فذكر حديث الشفاعة مطولا، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" وعلي بن زيد بن جدعان أجمع الأئمة على ضعفه.
[25020]:- في ت، أ: "ذنبه".
[25021]:- في ت، س: "أراد".