تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (73)

أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم ، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين ، وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة . وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف ، سيف للمشركين : { فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 5 ] وسيف للكفار أهل الكتاب : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [ التوبة : 29 ] وسيف للمنافقين : { جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } [ التوبة : 73 ، التحريم : 9 ] وسيف للبغاة : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [ الحجرات : 9 ]

وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف{[13647]} إذا أظهروا النفاق ، وهو اختيار ابن جرير .

وقال ابن مسعود في قوله تعالى : { جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } قال : بيده ، [ فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ]{[13648]} فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه .

وقال ابن عباس : أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف ، والمنافقين باللسان ، وأذهب الرفق عنهم .

وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف ، واغلظ على المنافقين بالكلام ، وهو مجاهدتهم . وعن مقاتل ، والربيع مثله .

وقال الحسن وقتادة : مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم .

وقد يقال : إنه لا منافاة بين هذه الأقوال ، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا ، وتارة بهذا بحسب الأحوال ، والله أعلم .


[13647]:- في أ : "بالسيف".
[13648]:- زيادة من ت ، ك ، أ ، والطبري.