تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (73)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) يحتمل الأمر بالجهاد الفريقين جميعا جهادا بالسيف . ويحتمل مجاهدة بالحجج والبراهين الفريقين جميعا . ويحتمل[ الواو ساقطة من الأصل ] أيضا الأمر بمجاهدة الكفار ؛ يجاهدهم بالسيف ويغلظ القول ، ويشدده على المنافقين ، ويقيم عليهم الحدود .

فإن كان على مجاهدة الفريقين جميعا بالسيف فهو والله أعلم بالمنافقين الذين انفصلوا عن المؤمنين وخرجوا من بين أظهرهم ، وأظهروا الخلاف للمؤمنين بعدما أظهروا الموافقة لهم . فأمثال هؤلاء يجاهدون بالسيف ، ويقاتلون به . وهو كقوله : ( لئن لم ينته المنافقون ) إلى قوله ( ملعونين ) الآية[ الأحزاب : 60و61 ] أخبر أنهم يؤخذون ، ويقتلون أينما وجدوا . فيشبه أن تكون الآية بالأمر بالجهاد في هؤلاء المنافقين [ من م ، في الأصل : المنافقون ] .

ويحتمل وجها آخر ، وهو أن المنافقين كانوا يطعنون في رسول الله ، ويعيبون عليه فأطلع الله رسوله على ذلك ، وهم قد علموا أن الله قد أطلعه على ما يطعنون فيه ، ويذكرونه بسوء ، فيقول ، والله أعلم : جاهدهم إذا طعنوا فيه ، وذكروك بسوء بعد ذلك .

وإن كان الأمر على المجاهدة بالحجج فهو صلى الله عليه وسلم قد كان حاج الفريقين جميعا بالحجج وخاصة سورة ( براءة ) نزلت في محاجة[ في الأصل وم : المحاجة ] المنافقين [ ويحتمل الأمر بالجهاد في الكفار خاصة ، وفي المنافقين ][ من م ، ساقطة من الأصل ] تغليظ القول وتشديد وإقامة الحدود التي[ في الأصل وم : الذي ] ذكرنا والتعزير إذا ارتكبوا شيئا مما يجب فيه الحد والتعزير ، والله أعلم بذلك ، لما أقاموا بين أظهر المؤمنين مظهرين لهم الموافقة .