محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (73)

[ 73 ] { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير 73 } .

{ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين } قيل : مجاهدة المنافقين بالحجة لا بالسيف . قال في ( العناية ) ظاهر الآية يقتضي مقاتلة المنافقين ، وهم غير مظهرين للكفر ، ونحن مأمورون بالظاهر ، فلذا فسر الآية السلف بما يدفع ذلك ، بناء على أن الجهاد بذل الجهد في دفع ما لا يرضى ، سواء كان بالقتال أو بغيره ، وهو إن كان حقيقة فظاهر ، وإلا / حمل على عموم المجاز ، فجهاد الكفار بالسيف ، وجهاد المنافقين بإلزامهم الحجج ، وإزالة الشبه ونحوه . أو بإقامة الحدود عليهم ، إذا صدر منهم موجبها ، كما روي عن الحسن في الآية . وقيل عليه بأن إقامتها واجبة على غيرهم أيضا ، وأجيب بأنها في زمنه صلى الله عليه وسلم أكثر ما صدرت عنهم . انتهى .

قال ابن العربي{[4577]} : هذه دعوى لا برهان عليها ، وليس العاصي بمنافق ، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامنا ، لا بما تتلبس به الجوارح ظاهرا ، وأخبار المحدودين يشهد سياقها أنهم لم يكونوا منافقين .

وقال ابن كثير : روي عن علي رضي الله عنه قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف ، سيف للمشركين{[4578]} : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } وسيف للكفار أهل الكتاب{[4579]} : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله . . . } الآية- ؛ وسيف للمنافقين{[4580]} : { جاهد الكفار والمنافقين } وسيف للبغاة{[4581]} : { فقاتلوا التي تبغي . . . } الآية " - وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق ، وهو اختيار ابن جرير . انتهى .

وفي ( الإكليل ) استدل بالآية من قال بقتل المنافقين . انتهى .

{ واغلظ عليهم } أي اشدد على كلا الفريقين بالقول والفعل { ومأواهم جهنم وبئس المصير } .


[4577]:أحكام القرآن: ص 966 من القسم الثاني، تحقيق الأستاذ علي محمد البجاوي.
[4578]:[ 9 / التوبة / 5].
[4579]:[9 / التوبة / 29].
[4580]:[9 / التوبة / 73] و [66 / التحريم / 9].
[4581]:[49 / الحجرات / 9].