لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَٱسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (106)

{ واستغفر الله } يعني مما هممت به من معاقبة اليهودي وقيل من جدالك عن طعمة { إن الله كان غفوراً } يعني لذنوب عباده يسترها عليهم ويغفرها لهم { رحيماً } يعني بعباده المؤمنين .

فصل :

وقد تمسك بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء وقالوا لو لم يقع من الرسول الله صلى الله عليه وسلم ذنب لما أُمر بالاستغفار والجواب عما تمسكوا به من وجوه : أحدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل المنهي عنه في قوله ولا تكن للخائنين خصماً ولم يخاصم عن طعمة لما سأله قومه أن يذب عنه أن يلحق السرقة باليهودي فتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وانتظر ما يأتيه من الوحي السماوي والأمر الإلهي فنزلت هذه الآية وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن طعمة كذاب وأن اليهودي بريء من السرقة .

وإنما مال صلى الله عليه وسلم إلى نصرة طعمة وهمّ بذلك بسبب أنه في الظاهر من المسلمين فأمره الله بالاستغفار لهذا القدر . الوجه الثاني أن قوم طعمة لما شهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة طعمة من السرقة ولم يظهر في الحال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوجب القدح في شهادتهم همّ بأن يقضي على اليهودي بالسرقة فلما أطلعه الله على كذب قوم طعمة عرف أنه لو وقع ذلك الأمر لكان خطأ في نفس الأمر فأمره الله بالاستغفار منه وإن كان معذوراً . الوجه الثالث يحتمل أن الله تعالى أمره بالاستغفار لقوم طعمة لذبهم عن طعمة فإن استغفاره صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون لذنب قد سبق قبل النبوة وأن يكون لذنوب أمته . الوجه الرابع أن درجة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى الدرجات ومنصبه أشرف المناصب فلعلو درجته وشرف منصبه وكمال معرفته بالله عز وجل فما يقع منه على وجه التأويل أو السهو أو أمر من أمور الدنيا فإنه ذنب بالنسبة إلى منصبه صلى الله عليه وسلم كما قيل حسنات الأبرار سيئآت المقربين . وذلك بالنسبة إلى منازلهم ودرجاتهم والله أعلم .