نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (106)

وأتبع ذلك قوله : { واستغفر الله } أي الذي له الإحاطة التامة والغنى المطلق { كان } أي أزلاً وأبداً { غفوراً رحيماً * } وهذا الاستغفار لا عن ذنب إذ هو منزه{[22583]} عن ذلك ، معصوم{[22584]} منه ، ولكن عن مقام عال تام للارتقاء إلى أعلى منه وأتم ؛ وقد روى الترمذي سبب نزول هذه الآيات إلى قوله تعالى { فقل ضل ضلالاً بعيداً } من وجه مستقص{[22585]} مبين بياناً شافياً وسمى {[22586]}ب بني أبيرق{[22587]} بشراً{[22588]} وبشيراً{[22589]} ومبشراً ، ولم يذكر طعمة - والله سبحانه وتعالى أعلم ، قال : عن قتادة{[22590]} بن النعمان قال : " كان أهل بيت منا يقال لهم نو أبيرق : بشر وبشير ومبشر ، فكان{[22591]} بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر{[22592]} يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، {[22593]}ثم ينحله بعض العرب ، {[22594]}ثم يقول : قال فلان كذا وكذا{[22595]} ، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا : والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث ! قال{[22596]} : وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام{[22597]} ، فقدمت ضافطة{[22598]} من الشام ، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك{[22599]} فجعله في مشربة{[22600]} له ، وفي المشربة سلاح درع وسيف ، فعدى عليه من تحت البيت{[22601]} فنقبت المشربة ، وأخذ الطعام والسلاح ، فلما أصبح أتاني{[22602]} عمي رفاعة{[22603]} فقال : يا ابن أخي ! إنه قد عدى{[22604]} علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا ، قال{[22605]} : فتحسسنا في الدار ، فقيل لنا : قد رأينا بني{[22606]} أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نرى{[22607]} إلا على بعض طعامكم ، قال{[22608]} : وكان{[22609]} بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل{[22610]} في الدار - ؛ والله ما نرى صابحكم إلا لبيد بن سهل - رجل{[22611]} منا{[22612]} له صلاح وإسلام ، فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال{[22613]} : أنا أسرق ! فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقةَ ! قالوا : {[22614]}إليك عنا أيها{[22615]} الرجل ! فما أنت بصاحبها ، فسألنا في الدار حتى لم نشك{[22616]} أنهم أصحابها ، فقال لي عمي : يا ابن أخي ! لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت{[22617]} ذلك له ! قال قتادة{[22618]} : فأتيته{[22619]} ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سآمر في{[22620]} ذلك ، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال{[22621]} له أسير بن عروة ، فكلموه في ذلك ، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا : يا رسول الله ! إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا{[22622]} أهل إسلام{[22623]} وصلاح{[22624]} ، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت ! قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته{[22625]} ، فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح{[22626]} ! ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة ! قال{[22627]} : فقال لي{[22628]} عمي : يا ابن أخي ! ما صنعت{[22629]} ؟ فأخبرته بما{[22630]} قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الله المستعان ! فلم يلبث{[22631]} أن نزل القرآن { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } إلى { خصيماً } بني{[22632]} أبيرق ، { واستغفر الله } مما قلت لقتادة ، { إن الله كان غفوراً رحيماًْ } إلى قوله : { فسوق نؤتيه أجراً عظيماً } ؛ فلا نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة{[22633]} ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية ، فأنزل الله سبحانه وتعالى { ومن يشاقق الرسول } إلى قوله : { ضلالاً بعيداً } " وروى الحديث ابن إسحاق في السيرة وزاد : إن حساناً قال في نزوله عندها أبياتاً فطردته ، فلحق بالطائف فدخل بيتاً ليسرق منه ، فوقع عليه فمات ، فقالت قريش : والله ما يفارق محمداً من أصحابه أحد فيه خير .


[22583]:من ظ ومد، وفي الأصل: منزله.
[22584]:في ظ: مفهوم.
[22585]:في ظ: مستثنى ـ كذا.
[22586]:في ظ: بين العرب ـ كذا.
[22587]:في ظ: بين العرب ـ كذا.
[22588]:من ظ ومد وجامع الترمذي ـ أبواب التفسير، وفي الأصل: مشيرا ـ كذا.
[22589]:في ظ: مبشيرا ـ كذا.
[22590]:في ظ: هناذلة ـ كذا.
[22591]:من الجامع، وفي الأصول: وكان.
[22592]:في ظ: السفر.
[22593]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد والجامع.
[22594]:ليس ما بين الرقمين في ظ ومد.
[22595]:ليس ما بين الرقمين في ظ ومد.
[22596]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22597]:زيد في الجامع: وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير.
[22598]:في ظ: طائفة، والضافطة: الإبل الحمولة.
[22599]:الدرمك والدرمق: الدقيق الأبيض.
[22600]:في ظ: مشربك.
[22601]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22602]:في ظ: أتى في ـ كذا.
[22603]:من ظ ومد، والجامع، وفي الأصل: أعدا.
[22604]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22605]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22606]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22607]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22608]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22609]:في ظ: كانوا.
[22610]:زيد بعده في ظ: الله.
[22611]:من الجامع، وفي الأصول: رجلا.
[22612]:سقط من ظ.
[22613]:من ظ ومد والجامع، وفي الأصل: قالوا.
[22614]:في ظ: أولئك عنى بها ـ كذا.
[22615]:في ظ: أولئك عني بها ـ كذا.
[22616]:من ظ ومد والجامع، وفي الأصل: لم يشك.
[22617]:في ظ: فذكر.
[22618]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22619]:زيد في الجامع: فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه.
[22620]:زيد من ظ ومد والجامع.
[22621]:من ظ ومد والجامع، وفي الأصل: فقال.
[22622]:في ظ: منها.
[22623]:من ظ ومد والجامع، وفي الأصل: الإسلام.
[22624]:في ظ: إصلاح.
[22625]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22626]:في ظ: إصلاح.
[22627]:زيد في الجامع: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[22628]:زيد من ظ ومد.
[22629]:زيد ما بين الحاجزين من الجامع.
[22630]:من الجامع، وفي الأصل: ما.
[22631]:في ظ: فلم يثبت.
[22632]:من ظ ومد والجامع، وفي الأصل: بين.
[22633]:زيد في الجامع: فقال قتادة: لما أتيت بالسلاح وكان شيخا قد عشى في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هي في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا.